الهدف الأول لمنظمة الأمم المتحدة هو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وما اندثار عصبة الأمم التي قامت منظمة الأمم المتحدة على أنقاضها إلا بسبب فشلها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
البند السابع في ميثاق الأمم المتحدة قصد به التدخل العسكري الأممي لمنع تهديد الأمن والسلم الدوليين فتحول إلى عصا غليظة يضفي الشرعية الدولية على التدخل العسكري لتركيع أي تمرد على إرادة الدول الخمس المتمتعة بحق النقض في مجلس الأمن.
تدرك الأمم المتحدة أن الأمن والسلم الدوليين يتحققان بالوقاية من الحروب، لا بتشريعها.. وتدرك الأمم المتحدة أن من أسباب الحروب الفقر والغنى على طرفي الحدود.. ومن أسبابها سطو الدولة القوية على الدولة الضعيفة، ومن أسبابها تشظيف الدول إلى دويلات تحارب بعضها على بئر بترول أو مجرى ماء.
ثلاث دول من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن المتمتعة بحق النقض يُضاف إليها الاتحاد السوفيتي قبل زواله، أنفقت البلايين في حروب استباقية نبذتها الإستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي، ترى لو أنفقت تلك الملايين على مشاريع في الدول الفقيرة، ومشاريع في دول الحروب الأهلية.. أما كانت كافية لتحقيق الأمن والسلم الدوليين؟.
لم نشهد حتى الآن أي موقف من منظمة الأمم المتحدة يحمي مبادئها إلا موقف الأمين العام داغ همرشولد الذي قضى في حادث غامض في أفريقيا، أما من قبله ومن بعده فقد تصرفوا وكأنهم أمناء عامون لوزارات خارجية دول مجلس الأمن الدائمة العضوية يقرّون ما تقرّه ويرفضون ما ترفضه.
إذا كانت حرب حلف الناتو على أفغانستان مبررة بعد اعتداء من تؤويهم طالبان أفغانستان على أمريكا إن صحت تلك الرواية، فماذا يبرر غزو العراق وأمريكا وبريطانيا وهما يعلمان علم اليقين عند غزوهما للعراق أن ليس لديه أسلحة دمار شامل.. وإلا لخافتا على الأقل استخدامه لتلك الأسلحة ضد جنودهما أو ضد ربيبتهما إسرائيل قبل أن يلفظ نظامه أنفاسه الأخيرة.. وماذا يبرر حرب بريطانيا على جزر الفوكلاند في الأرجنتين، أو حرب أمريكا على كوبا، أو هجوم أمريكا على بنما واعتقال رئيسها ومحاكمته في أمريكا.
المفارقة أن منظمة الأمم المتحدة المسؤولة دولياً عن الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، غضت الطرف عن حرب فيتنام وعن الحرب الأهلية في الصومال وحروب أخرى كثيرة، ولم تفعل شيئاً للفلسطينيين بعد أن شرعت قيام دولة إسرائيل على أرضهم، ولا هي أعادت الجولان إلى سوريا ولا تلال كفر شوبا إلى لبنان، مع أنها احتلت في حرب جرَّمتها الأمم المتحدة، وتقف مكتوفة الأيدي أمام حصار مباشر وغير مباشر لكامل الشعب الفلسطيني، والتهديد بالحرب بين الكوريتين تاركة الأمر بيد أمريكا والصين، ولا هي حالت دون نشوب حروب الهند وباكستان رغم تحالف دولتين عضوين دائمين في مجلس الأمن مع كل منهما، وهي الآن تسعى جاهدة لتفتيت السودان بوسائل ديموقراطية.
صحيح أن المنظمة قد أنشأت وكالات وهيئات إنسانية مثل اليونسكو والأونروا والأونكتاد وغيرها، ولكنها جميعاً مساحيق تجميلية لوجهها المبثور.
ترى هل تحتاج منظمة الأمم المتحدة إلى من يوقظ ضميرها، فتعود لتطبيق مبادئها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين؟.. أم أن نظامها الذي منح القوى العظمى سلطة إخضاع الأمم الأخرى لمآربها سيدمرها من الداخل؟.. أعلم أن الاحتمال الأول لن يتحقق فضميرها مستلب، ولم يوقظه الرئيس جاك شيراك عندما وصف مجلس الأمن الدولي بأنه مجلس الأمن الأمريكي، وأما الاحتمال الثاني فهو بعيد لبراعة الدول العظمى في تطعيمه بالمسكنات، ولم يبق إلا احتمال ثالث -حمانا الله جميعاً- منه وهو حرب عالمية ثالثة تلحق منظمة الأمم المتحدة بعصبة الأمم.