فاصلة:
(من يراقب الريح كثيرًا لا يزرع نبتة)
-حكمة عالمية-
الطفل خجول وأمه سعيدة بأنه لا يشاغب في المنزل وأنّه طفل هادئ.
يكبر الطفل ولا يستطيع أن يشارك في الإذاعة المدرسية، ويسخر منه المعلم.
يلتحق الطفل بالجامعة أو العمل ويعاني أعراضًا غريبة إذا قابل الناس فهو مرتبك، يتعرق، يسمع ضربات قلبه، يتلعثم،أطرافه ترتعش، نظرات عينيه زائغة، حلقه جاف، يشعر بالغثيان وأن المكان يدور أمام عينيه وفي وسط كل هذا يخاف أن يراه الآخرون وهو على هذا الشكل هذا في حال تعرضه لموقف مع الناس أو حتى واحد منهم، وقبل أي مناسبة اجتماعية لا يستطيع النوم من شدّة القلق.
هذا الشاب حين يسترجع طفولته تأتيه صورة الأب القاسي وعدم شعوره بالأمان يوم كان طفلاً في حضن أسرته. لطالما أشبعه أبوه تهديدًا بأنه سيسلّمه للشرطة أو سيرميه في الشارع وأنه لو ارتكب أي خطأ فلن يحبه، هو لا يعرف أن أباه لا يقصد ما يقول فيخاف، وبالتالي يلجأ إلى الانطواء لإحساسه بعدم الأمان.
وفي تجمعات الأسرة لا يحصد سوى السخرية لذلك انعدمت ثقته بنفسه وصار يتجنب الناس طفلاً، ثم أصبح يخافهم حين صار مراهقًا. حتى أمه التي اعتقدت أن قلقها الزائد عليه، سوف يحميه منحته دون أن تقصد الشعور بأن هناك مئات من الأشياء غير المرئية التي تشكل خطرًا عليه، فما كان يشعر بالأمان إلا جوارها وكان دومًا منطويًا بعيدًا عن محاولة فعل شيء خوفًا من أن يحدث له مكروه.
هذا الطفل الذي كان يفضل العزلة يصيبه القلق النفسي والشعور بالنقص مما يؤدي إلى عدم الثقة بالنفس والأنانية. وهذا هو «الرهاب الاجتماعي» الذي هو حالة مرضية تحدث عند بعض الأفراد دون وجود ما يبرر ذلك حينما يكونون محط نظر وتركيز الآخرين وتكون نسبة الشفاء منه أكبر إذا كانت بدايته بعد سن الحادية عشرة وأسبابه تربوية أو بيولوجية.
في جريدة الحياة مؤخرًا قرأت أن مختصين في علم النفس لدينا قدّروا نسبة تفشي الإصابة بمرض «الرهاب الاجتماعي» في أوساط مجتمعنا بخمسة في المئة، في حين أشار البعض إلى وصول معدلها إلى 15 في المئة، خصوصًا بين أفراد العنصر النسائي.
هل تعرفون لماذا؟
لأن الأسرة لدينا لا تعرف عواقب ما تمارسه من أساليب لتنشئة أبنائها، فتقسو وتهدد في ظنها أنها تربي وهي تهدم مستقبل الطفولة البريئة ومازال كثير منّا لا يعرف عواقب القسوة والحرمان في الطفولة