|
تقرير - د. حسن أمين الشقطي(*) :
لا تُعد المخدرات مفهوماً أو ظاهرة جديدة على المجتمعات، حيث يعود ظهورها إلى عصور بعيدة، إلا أن الجديد هو انتشار الإدمان بهذا الشكل المخيف، والتكاليف الباهظة للعلاج منه.. وإذا كان القنب الذي يستخرج منه الحشيش والماريجوانا، أو الخشاش الذي ينتج منه الأفيون، بجانب بضعة أنواع قليلة هي الأشكال المعروفة للمخدرات في الماضي، فقد تعددت أنواع وأشكال المخدرات في العصر الحديث، ما بين مخدرات طبيعية، أهمها الخشخاش، الكوكايين والقنب، القات، ومخدرات تخليقية، مثل الهرويين، والمسهرات المنشطات، المنومات، المهدئات، المذيبات، أو عقايير الهلوسة.. وإذا كانت مخاطر المخدرات معروفة آنذاك ومحصورة في أمراض معينة أو التسبب في سلوكيات معينة، فقد تعددت المخاطر التي تتسبب فيها مخدرات العصر الحديث لتصل إلى حد الوفاة إذا لم يجد المدمن الرعاية والاهتمام الطبي وغير الطبي اللازم، ومشكلة انتشار المخدرات تعتبر مشكلة عالمية لا ترتبط بدولة بعينها بقدر ما هي ظاهرة منتشرة على مستوى معظم الدول تقريباً، إلا إن حدتها تختلف ما بين دولة وأخرى.. وهذا الاختلاف ليس عشوائياً بقدر ما ينجم عن أسباب ترتبط باقتصاد الدولة أو طبيعة مجتمعها وأفرادها. وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية يوجد العديد من الدراسات التي بحثت أسباب انتشار المخدرات بهذا الشكل المخيف داخل مجتمعاتنا تحديداً، والتي يمكن الاستفادة منها في تحديد أسباب انتشارها بالسوق المحلي، وذلك على النحو التالي:
الانتعاش الاقتصادي الذي تمر به المملكة، والذي أدى إلى ارتفاع مستويات الدخول، حيث ارتفع متوسط دخل الفرد السنوي من 34.5 ألف ريال في عام 2000 إلى حوالي 70.9 ألف ريال في عام 2008م.. وهو ما يزيد عن مستويات الدخول في الكثير من دول العالم، بما يجعل المملكة مستهدفة من قبل التجار الدوليين للمخدرات، وبخاصة في ظل البحث الدائم لأصحاب الدخول المرتفعة إلى التسلية والترفيه.
استقدام الأيدي العاملة العادية من الدول المنتجة للمخدرات، ويلعب ذلك دورا هاما في انتشار المخدرات بشكل كبير، لأن هذه العمالة عادة ما تكون من ذوي الدخول المنخفضة، وتمارس مهناً صعبة، بما يجعلها تفكر في ممارسة مهنة الاتجار بالمخدرات للكسب الأعلى والأسرع.
السفر المتكرر للسعوديين والمقيمين بالمملكة للدول المتفشي بها تعاطي المخدرات بغرض السياحة والترفيه.
عدم تهيئة الوسائل المناسبة لاستغلال أوقات الفراغ لدى الشباب، الأمر الذي يدفع الكثير منهم (وبخاصة في عمر 20 إلى 30 عاماً تحديداً) إلى تجربة عقاقير وأنواع لا يعتقدون أنها مخدرات حقيقية أملاً من الخروج من حالة الفراغ التي تحيط بهم.
الضغوط النفسية التي تولدها الحياة العصرية، هذه الضغوط هي التي تدفع الكثيرين (وبخاصة من المتعلمين) لارتياد وتجربة أنواع معينة من المخدرات، أملاً في التغيير وتخفيف الضغوط على أنفسهم، هذا بجانب بعض الأسباب الاجتماعية الأخرى، مثل التفكك الأسري، ونشر الوعي الإعلامي اللازم لمكافحة المخدرات والوازع الديني وغيرها.
قياس مدى انتشار المخدرات بالمجتمع السعودي
يوضح الجدول (1) أن عدد الموقوفين والمحكومين في قضايا المخدرات بالمملكة خلال عام 1429هـ وصل إلى 17975 فرداً ما بين سعوديين وأجانب.. إلا أن هذا العدد لا يعبر عن حجم انتشار المخدرات في المجتمع بقدر ما يوضح عدد المضبوطين أو المتهمين في قضايا مخدرات سواء تهريب أو اتجار أو استعمال.. ويُقدر عدد المتعاطين للمخدرات بالمملكة بحوالي 150 ألف فرد حسب تقديرات العديد من الدراسات.
أما الجدول (2)، فيوضح أن السوق السعودي هو سوق مستهدف بالترويج، حيث إن النسبة الأكبر للمتهمين في قضايا المخدرات هي للاستعمال، فقد وصلت نسبة المتهمين بالاستعمال إلى حوالي 79.8% من إجمالي المتهمين في قضايا مخدرات.. كما يوضح الجدول (2) أيضاً أن الحشيش يمثل النوع الأكثر انتشاراً بالسوق المحلي، حيث وصلت نسبة مساهمته في قضايا المخدرات إلى حوالي 41.9%، يليه الكبتاجون بنسبة 40.3%.
أما الجدول (3)، فيوضح خصائص المتهمين بقضايا مخدرات بالمملكة، حيث اتضح أنه يغلب عليهم ثلاثة خصائص رئيسة، هي أنهم من فئة العزاب، ومن المتعلمين، ومن فئة السن ما بين 20 إلى 30 عاماً، ومن العاطلين.. وهذه الخصائص على قدر كبير من الأهمية لأنها توضح بعض الأسباب الحقيقية لانتشار المخدرات.
فقدان السيطرة عالمياً على إنتاج وتجارة المخدرات
رغم الإنجازات التي أحرزتها الأمم المتحدة على صعيد الكثير من المجالات الدولية، إلا أن نصيب المخدرات لم يكن بالقدر المرغوب.. وللأسف جاء تقرير الأمم المتحدة حول المخدرات لعام 2010م، مخيباً للآمال، رغم أن البعض يعده مشجعاً.. فالتقرير يشير إلى أنه بعد خطط دولية عديدة وبعد تضامن وتكاتف عالمي، فقد تراجعت المساحة العالمية المزروعة بخشخاش الأفيون إلى حوالي 181.4 ألف هكتار في عام 2009م، وهي مساحة تفوق المساحة العالمية المنزرعة بنباتات ومحاصيل هامة في كثير من الدول.. وعليه، فقد انخفض إنتاج الأفيون إلى 7.8 ألف طن في عام 2009م، وتراجع إنتاج الهيروين الممكن إلى 675 طناً.. أيضا تراجعت المساحة المنزرعة بالكوكا عالمياً إلى 158.8 ألف هكتار، وتراجع إنتاج الكوكايين إلى 865 طناً.. أما بالنسبة للقنب، فتتراوح الكمية المنتجة منه بين 13 إلى 66 ألف طن.. وتراوح صنع المنشطات الأمفيتامينية بين 161 إلى 588 طناً في عام 2008م.
وبادئ ذي بدء فإن التحليل الاقتصادي لإنجازات الأمم المتحدة يمتلك العديد من الآثار السلبية على انتشار المخدرات، لأن التضييق وليس القضاء على زراعة المخدرات وتجارتها لم يتسبب في القضاء على انتشارها بقدر ما تسبب في ارتفاع أسعارها، ومن ثم زيادة الفاقد في الإنفاق عليها، لدرجة أن خطط الأمم المتحدة في حد ذاتها جعلت من المخدرات أكثر ندرة وأعلى قيمة.
خسائر الاقتصاد العالمي
نتيجة إدمان المخدرات
يُدر عدد مدمني المخدرات في العالم الآن بنحو 235 مليون فرد.. ويعتبر الحشيش أكثر المواد استعمالاً في العالم، حيث يصل عدد متعاطيه إلى حوالي 54 مليون فرد، تليه المهدئات والكحول بِحوالي 35.3 مليون فرد، ثم تأتي المهلوسات بنحو 5.4 مليون فرد.
وتشير التقديرات إلى أن حجم تجارة المخدرات العالمية وصل في عام 2006 إلى حوالي 800 مليار دولار.. ووصل حجم تجارة الهيروين والكوكايين والحشيش بالولايات المتحدة وحدها إلى حوالي 90 مليار دولار.
إن نسبة المدخنين للحشيش بالولايات المتحدة من البالغين من سن 18 - 25 عاماً ارتفعت من 4% إلى نحو 64% من إجمالي عدد السكان.
(*) محلل اقتصادي