ورد الخبر في (صحف) يوم الجمعة الماضي يشير إلى أن امرأة في الرابعة والستين من عمرها، ألمانية، بعد رفقة زوجية دامت أربع وأربعين سنة, قامت لغلي ثلاثة لترات من الماء، ثم صبته فوق وجه زوجها وهو نائم، وأفادت عند التحقيق بأنها لم تبيت نية قتله، فيما تساءل المحققون عن أسباب ما أقدمت عليه، إلا أن الخبر لم يورد إجابة لهذا السؤال عنها، بل طمأن الخبر القارئين له بنجاة الزوج وتلقيه علاجا مكثفا..
ترى لو قارنا هذا الخبر الوارد من أوروبا، المشهور عنها بالتقدم والوعي والمدنية والحرية وحقوق الإنسان، ومنح المرأة مساواة الحياة وممارستها، وقضاء القانون بما لا يسلبها حق أن تكون نظيرة للرجل، ويسعى قادتها لهيمنة قانونهم، على الدول التي يضعونها في خانة انتهاك حقوق المرأة، ويسلطون كل قواهم، وأصواتهم، في حظر وحصر أي خبر يرد عن المرأة فيها، ليشهِّروا بتعاليم تلك الدول وأنظمتها، بل التخطي على معتقدها، وتحديدا الدول المسلمة، التي أخذت الأبواق عنها تخرج ليس فقط من أولئك, بل من أبنائها، تيمنا بهم، ولهاثا وراء جحورهم، ليكونوا معهم حذو القذة، فلو كان هذا الخبر وسواه عشرات بل مئات, ترد عن نساء هذه الدول ونظيراتها، قد جاء عن نساء عربيات ومسلمات، لأخذت العناية به مأخذا آخر ..، ولأصبح مثار اللقاءات التلفازية، والرحلات المكوكية بين لجان حقوق الإنسان، وبين قرارات التدخل في الشأن الفردي لهن، على أنه شأن إنساني..يستدعي الإنباء والأنباء..
فمن يغوص في حياة هذه المرأة الألمانية التي اتهمتها لجنة التحقيق بغاية القتل لزوجها...بما يوظف هذا التخرص دفاعا عن الزوج، فيما لو كانت الفاعلة عربية، أو مسلمة لرُد الأمر, إلى اضهاد الرجل لها، انبثاقا من صرامته، وعنفوانه, بل ظلمه، الناجم في ظنهم عن دينه وتقاليده ...و ..و.
من يذهب معي إلى أن الألمانية، الحارقة بمائها المغلي وجه زوجها, إنما هي تعبر بهذا عن اضهاد، وظلم لحقا بها، فهز كيانها، وأطلق عنفوانها، وفجر سخطها من، ومن، ومن...
ولعل هذه كلها أبواب في مجتمعها، سيدخل عنها الباحث عن الأسباب في الشأن الاجتماعي، والاقتصادي، والأسري، في بلادها، ..بل ربما سيكتشف أن وراء الأكمة ما وراءها...بما يضع أمامه فارق المقارنة بين مضطهدة أوربية، ومضهدة عربية ...ويبقى الإنسان إنسانا في كل مكان.. وفي كل الظروف والملابسات والأحوال.