يمتد تاريخ عائلة آل المبارك لثلاثة قرون، ولها نصيب وافر من العِلم والفضل، حتى صار من المألوف في العائلة ظهور العلماء والمثقفين في مجالات الدين والقضاء واللغة العربية والأدب.. وقد أضاف الدكتور راشد المبارك لتوجه العائلة السائد نبوغاً في علوم الكيمياء والذرّة والطبيعة والفكر والسياسة، حيث كان يعمل أستاذاً للكيمياء الحيوية في جامعة الملك سعود.. بَيْد أنه تقدم بطلب التقاعد المبكر ليتفرغ للبحث والتأليف وإثراء المعرفة والانشغال بقضايا الوطن والأمة من خلال طرح الرؤى الناضجة الواعية ومنها تفنيد (كلمة البطالة التي أُريد بها باطل).. وهي أن الشباب السعودي مرفّه ومكابر عن بعض المهن!
ولم يكن المبارك بعيداً عن هموم الشباب حيث ناقش معضلة اختبار القياس والقدرات الذي يحرم طلاب الثانوية جهدهم وكفاحهم طيلة مراحل الدراسة.. وله آراء ومواقف راشدة تحدوه غيرته الوطنية الصادقة وحبه لمواطنيه وأمته، وصدقه ووفاؤه لولاة أمره، وكذلك الجانب الإنساني العظيم في داخل نفسه الكبيرة.
ومن كتبه: (قراءة في دفاتر مهجورة).. وقد قال في تقديمه الشيخ محمد الغزالي: (عرفت الدكتور راشد المبارك من سنين، ومنذ عرفته حرصت على صحبته ومجالسته وقراءته، فهو عقل كبير، وخلق رحب، والطريف أنه أستاذ في علوم الكون والحياة، ولكنه مكين في الأدب العربي، خبير بشعره ونثره، ويظهر ذلك في أسلوبه الذي يتضمن عبارات فنية من مصطلحات الفيزياء والكيمياء، ولعله يظهر قبل ذلك في منطقه العقلي حين يعالج قضايا مختلفة بين الدين والحضارة والتاريخ).. وكتابه البديع أيضاً: (هذا الكون ماذا نعرف عنه؟) وقد كتبه بأسلوب ممتع يجعل المسائل العلمية في صياغة أدبية ندية مستساغة، وفيه مسائل وحقائق عن الحياة والكون.
وتحتل القضايا الإسلامية اهتمامه.. ومنها سعيه لإيقاف نزف الدم المسلم في حرب العراق وإيران آنذاك وتشجيع الجهود المبذولة لتفادي الغزو الأمريكي للعراق.. ثم جهود أخرى لإيقاف الحرب الأهلية في العراق، مع جهودٍ حثيثة في نصرة وإغاثة شعب غزة وغيرها.
وقد وصف الدكتور مرزوق بن تنباك فكر المبارك بأنه: (فِكرٌ تجاوز السائد والمألوف إلى البحث عن الحقيقة، وفي علاقاته وصِلاته مع الناس تجاوز من تربطه بهم رابطة القرابة والنسب دون إهمال الحقوق إلى كل العرب، وفي صداقاته تجاوز المحلية التي يلتزم بها الناس أو أكثرهم إلى المحيط العالمي والإنساني، حتى جعل كل من يعرفه أو يلقاه صديقاً، مع أنه في كل تعامله مع هذا وذاك لا يهمل ما توجبه الأحوال وتقضي به الاعتبارات والعلائق الاجتماعية الخاصة).
ومدحه عبد القدوس أبو صالح في قصيدة له:
يا سائلي عن راشد خدن العلا
والحق أبلج من تباشير الصباح
هو عالم، بل شاعرٌ بل ناقد
في كل ميدان له قصب النجاح
وعرفته وخبرته وبلوت مِن
أخلاقه ما شئت من روح وراح
وله ندوة الأحدية الشهيرة التي تُعقد منذ ثلاثين عاماً، وتُعد من أقدم المنتديات العلمية والثقافية في الوقت الراهن، وحاضرَ فيها ما يزيد عن الألف مفكر وعالم من نخب سياسية وعلمية ودينية ومفكرين وفلاسفة وشعراء.
ولعل المرء المنصف يتساءل بألم وأسى عن وضع هؤلاء العمالقة وأصحاب الفكر ممن يناضلون ويحترقون ثم تغيب ذكراهم ويُنسى جميلهم دون أن تهتم بهم شعوبهم، ولا تبرز وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم محاسنهم ورؤاهم النافعة، ودونما يُستفاد من تجاربهم ويُتطلع إلى رغباتهم وطموحاتهم والتي هي ثروة يُقتبس منها ويُستنار بهداها!
أفلم يأن أن يعرف الوطن وأبناؤه المفكر راشد المبارك، فيكرموه بما يليق به، حتى يعلم المرء أنه لا يزال هناك قومٌ على الحق والمروءة وعلى كرم النفس وجميل السجايا إضافة إلى محامد العلم والنبوغ؟!
www.rogaia.net