«هل أدمنتم ردود الفعل العنيفة أمام ما قد يتعارض وقناعتكم الرئيسة؟ أو قيمكم الثابتة؟ وتستجيبون للاستفزاز والتحول كجزء من مشهد عنف ساخر؟!.»
بطريقة متشابهة، يبحث أكثر من صحفي أجنبي، في محاولة فهم ردة فعل المسلمين والعرب، -والغالب منهم يعتبرون كل المسلمين عربا، وكل العرب مسلمين.
وأحاول دائماً التوضيح، وأطلب إيضاحات أيضاً، أحدهم قال برغبة الباحث: «لا أفهم ردة الفعل الكبيرة على حماقة رجل كنيسة مغمور هدد بحرق القرآن - مثلاً -، الأمر لا يستدعي هذا التضخيم، كان يمكن أن يمر التهديد دون ضجيج أو تصعيد، لو تم تجاهله، ودون أن يمنح الرجل قيمة وشهرة».
وأضاف: «ولعلك تتذكر الرسوم الكاريكاتيرية التي قيل حينها إنها مسيئة لشخص الرسول، وما أحدثته من ثورة تفوق قيمتها الفعلية، كرسم كارتوني عن جريدة مجهولة».
أعتقد أن هناك احتقاناً واضحاً، وتصعيداً متعمداً لقضايا أو سلوكيات فردية أو ضيقة، أو حتى متطرفة من أجل خلق أجواء صدام بين الحضارات، وهناك من الطرفين من يستجيب لها. فيما تطلق شرارتها جماعات وجمعيات حركية تسعى لاستعراض قوتها وتأثيرها على الشارع العام، ومقدرتها على رفع وخفض درجة الغضب.
ومن بين الساسة دائماً من يجدها مفيدة للفت الانتباه عن قضايا أخرى، أو تفريغ شحنات الغضب المخزونة أصلاً.
وهو ما يمكن فهم تتبع نتائج الانفعال داخلياً، في المواجهة بين المصري والجزائري إبان تصفيات كأس العالم، وهو أمر ممكن أن يحدث مرة أخرى بين دولتين عربيتين أو إسلاميتين الأسباب تافهة وهذه حكاية لوحدها.
لكن الكثير من الراصدين، يجدون في هذه المواقف بالونات اختبار لقياس مستوى (الضغط العام) و(الاحتقان)، بل وتؤخذ ردة الفعل العنيفة كإدانة، لأن ردود الأفعال التي تجيد خلق رمز للعدو (داخلياً أو خارجياً)، تبالغ في التعبير عن غضبها.
بالطبع، المقدس عند أي طرف يُفترض أن لا يكون مادة استفزاز، بل أدعو إلى تجريم الإساءة دولياً، لأي ثقافة أو حضارة واحترام الأديان، في مقابل صيانة حرية التعبير المسؤول.
حرق علم أو إطارت وتعطيل الحياة وتكسير واجهة محلات في بنغلادش وباكستان وإندونيسيا، لا تعني شيئاً سوى تقديم صورة عامة لواقع بدائي منقطع.
الواضح أن مظاهر التعبير العنيفة ليست بالضرورة مرتبطة بالموقف المعني، ولكنها تفجير لطاقات الكبت المتواصل والإحباط التي تبحث عن التفريغ بطريقة مشروعة، لا أحد يجرؤ على الاعتراض عليها.
وحتى لم ننتبه أحياناً، إلا أننا نمارس سلوكاً مشابهاً في مواقف أقل شأناً، فالثقافة مخلوطة والوعي ملتبس، وللتوضيح، عليكم المقارنة بين الحكمة المحمدية: «لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب»، والتي تم استبدالها بخطاب التشدد والعنف المضاد، فيما أصبحت الثقافة العامة تدعم نشر العنف لدرجة التأسيس لما سمي بثقافة التوحش.
إلى لقاء