دشن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ أن تولى مقاليد الحكم عهداً جديداً للنقد البناء والكلمة المسؤولة والحوار الإيجابي الحر الذي تجاوز الدائرة الوطنية ليصل إلى العالمية - الإنسانية بكل انسيابية واتساق، فهو رعاه الله إضافة إلى تشجيعه ومباركته لهذا الجهاد النهضوي المتميز - واسع الدلالة عميق التأثير- باشر عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية بنفسه النقد الموجه لمسار التنمية السعودي بكل شفافية ووضوح، وطالب صراحة بعدالة التوزيع بين مناطق المملكة المختلفة، ووجه المسئولين في قطاع الدولة بوجوب الرد والبيان لما يكتب عن الوزارات والإدارات الحكومية الوسطى، كما تبنى أيده الله ووفقه وأعانه وسدده مشاريع إصلاحية في عدد من قطاعات الدولة التنموية المفصلية كالتعليم والصحة والقضاء وطبعا لا إصلاح بلا نقد بل وربما نقض من القواعد والجذور. وفي ذات السياق انتقد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بعض قطاعات الدولة ومؤسساته المفصلية لتقصيرها في القيام بالدور المأمول منها إزاء الإرهاب والتطرف مهيبا بالجميع الانبراء لمواجهة الغلو ودفع فلول الإرهابيين والوقوف أمام كيدهم ومكرهم الخبيث، و(الوقاية خير من العلاج)، وطبعا مرحلة الوقاية هذه هي مسؤولية الجميع بلا استثناء بداية من البيت ومروراً بالمدرسة والحي والمسجد والمكتب وانتهاء بالإعلام، ولذا فإن على الخطباء والمفكرين والكتاب أمانة دينية ووطنية كبيرة قصر البعض في القيام بها على وجهها الصحيح خاصة «منبر الجمعة « كما أبان سموه وفقه الله في أكثر من مناسبة!!، كما انتقد رعاه الله بعض الكتاب في الصحافة السعودية لهجومهم غير المبرر على جهاز هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدولة!!.. وفي المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية الحكومية الأسبوع الماضي وجه صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة نقده المباشر لنظام ساهر المروري، وكذا شركات الاتصالات فهي (لا تقدم ما نطمح له وما هو مأمول).
وفي نفس المؤتمر انتقد صاحب السمو الأمير محمد بن سعود آل سعود وكيل وزارة الخارجية لشؤون المعلومات:
- الكادر الوظيفي في الدولة والمراتب الحكومية، إذ أن هناك ترديا واضحا في رواتب المتخصصين في التقنية بمؤسسات الدولة المختلفة، كما أنه لا وجود للمميزات وبدل الندرة للتخصصات التي هي بحق نادرة ومهمة في هذا الوقت بالذات، مشيراً أن هذا هو السبب الحقيقي لعدم وجود الخبرات الوطنية في القطاع العام.
- الجهات الحكومية التي تعمد إلى التحايل على الأنظمة من أجل الاستعانة بموظفين وصرف رواتبهم من بنود أخرى، مؤكداً أن طريقة كهذه لها انعكاسات سلبية على المدى البعيد.
- ضعف التنسيق والتعاون بين الجهات الحكومية المسؤولة عن بناء التجهيزات الإلكترونية والمعلوماتية وتحسين الخدمات المقدمة للمستفيدين وتقديمها بصورة تتطلع لها القيادة.
- إصرار البعض ممن يملكون القرار في هذا البعد التقني الهام في القطاع العام على عدم تجاوز هذه المعوقات يجعلنا كما يذكر سموه نقف عند حدود محاولاتنا الأولى، والتي لا تتفق مع ثقافة التقنية ومستجداتها المتجاوزة بسرعة كبيرة.
- ضعف وتردي القطاع الخاص في مجال التقنية أيضا، يلمس هذا كل صاحب دراية ومعرفة بتفاصيل أعمال هذا القطاع التنموي الهام.
- الاستثمار الوطني في مجال التقنية إذ أن أغلب هذا الاستثمار يعد واجهة لبعض الشركات الأجنبية التي بدأت تنتشر في أغلب مفاصل تنميتنا وللأسف الشديد، دون قيمة مضافة إلى الاقتصاد الوطني.
لقد ضيقت الثورة الفرنسية واسعاً، فبعد أن كان النقد مشاعاً للجميع صار بعد هذا الحدث العالمي المفصلي إلهاما خاصاً بما عرف «بالسلطة الثقافية» التي ولدت من رحم هذه الثورة وما ماثلها في ذلك الزمن من ثورات سواء عسكرية أو فكرية، وكان النقد في الأساس وما زال يتوجه عالمياً ومحلياً إلى سلطتين «السلطة السياسية»، و»السلطة الدينية»، وخلف هذه الثنائية العجيبة قصة طويلة ليس هذا مجالها.
إنني أعتقد أن السلطات كلها حتى الشعبية منها يحب أن تمارس النقد المسؤول، وأن تكون لها - حين تقوم بذلك - رؤية واحدة ورسالة محددة وأهداف واضحة من أجل أن يتحقق الوجود القوي والتفاعل الإيجابي بين سلطات المجتمع المختلفة، فالعمل اليومي الذي يمارس من قبل الجميع جزماً فيه من الأخطاء ما فينا من بشرية، وحسب حجم الجهد واتساع دائرة العمل يكون الخطأ ونقع نحن بالزلل، وأي عمل نتوخى فيه المثالية والكمال يحتاج إلى تغذية راجعة ترقبه وتبين مواطن قوته ومكامن ضعفه حتى يصحح وينضبط في مساره الطبيعي ضمن منظومة عجلة التنمية في المجتمع، وكلما كانت النظرة من الخارج وبعين ناقدة واعية متفحصة وذات دراية وخبرة كلما كانت نظرة كلية وعميقة غالباً.لا يفهم من هذا الكلام أن باب النقد مفتوح على مصراعيه لكل من أراد بلا ضابط ولا مشرع بل هو عمل ذهني يحتاج إلى مقومات وخبرات ومعرفة ودراية واسعة بحال المنقود والظروف المحيطة به وسبل النقد الصحيحة وكيفية النقد وما إلى ذلك مما هو مدون فيما كتب عن إشكالية النقد في الفكر العربي المعاصر، ومن القلب شكراً لقائد مسيرتنا التنموية على خطواته الشاملة الميمونة المباركة، شكراً لأصحاب السمو، شكراً لكل من أهدى إلينا عيوبنا، وللحديث عن (النقد المسؤول) بقية في القادم من الأيام بإذن الله وإلى لقاء والسلام.