يسرني كثيرا ظهور بعض الإخوة الفنانين التشكيليين المبتعدين أو المتباعدين عن الساحة في المناسبات التشكيلية. في أحد اللقاءات الأخيرة التقيت بالفنان منصور كردي وهو من أهالي المدينة المنورة ومن الفنانين الأوائل الذين دأبوا على التواجد مبكرا في نشاطات خارج المدينة المنورة وتحديدا جدة عندما أنشئ مركز الفنون الجميلة ورأسه الراحل عبد الحليم رضوي، يأسرك منصور كردي بصفات الفنان الحقيقي الهدوء والرزانة والخلق والطيب وليس أخيرا لطف اللقاء، ومثله آخرون من الزملاء التشكيليين في مناطق ومدن المملكة.
عرفت منصور كردي في معارض جماعة المدينة المنورة وهي الجماعة التي تحركت في الثمانينات إلى بعض المدن السعودية ثم قطر، تبدي أعمال كردي تعلقه بالمكان، ترسم صورا ومشاهدات وتعيد ذاكرة الفنان، عادات ومظاهر اجتماعية مع لمسة مختلفة تغلفها العفوية والبساطة وعدم الكلفة ويتواصل هذا الفنان مع جماعته أكثر من أي حضور آخر إلا من بعض المعارض التي أقامتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ما يلفت في هذا الفنان تواريه الدائم عن أي ضوء إعلامي ولا أعرف لماذا لا يبحث الإعلام عن أمثاله من الفنانين الذين لا ينقصهم الصدق ولا الأصالة، أستعيد مع صدق هذا الفنان وأصالته محمد الصندل وهو فنان أحسائي له الدور الأكبر في الإشراف على النشاطات التشكيلية التي أقامتها جمعية الثقافة والفنون في الأحساء مبكرا ومنذ بدأت بأول معارضها فكان حضوره المبكر رساما ومشرفا ومنظما ولم يزل الصندل واحدا من المخلصين للجمعية ولأنشطتها متابعا وحاضرا واسما في تاريخها فقد ترك قسم الفنون التشكيلية منذ قرابة عشرة أعوام وهذا لم يبعده عن الجمعية وعن زملائه التشكيليين كان الصندل ولقربي به سندا وداعما لأبناء مدينته. علّم بعضهم ووجه البعض الآخر كان الأخ للجميع والرجل الطيب الذي أخلص وصدق، فأحبه الكل فقدرته الجمعية في الأحساء بتكريم بسيط مثل غيره من أبنائها.
والواقع أن الصندل الفنان متوقف عن المشاركات منذ عقود، وعندما علمت بتقاعده فرحت لأنني توقعت أن هذا الفنان سيعود أنشط مما كان لكنه للأسف أصبح تقاعدا عن كل شيء. أستعيد مع فنانينا الصندل وكردي أسماء أخرى ليس الإعلام ولا الأضواء تغريها كثيرا ومع ذلك لم تزل تحمل حبا وإخلاصا للفن وأهله ومؤسساته لا يتوانون في دعمه بالتشجيع والحضور والمشاركة إذا استوجب الأمر ذلك. الأسماء على قلتها لها مكانتها الفنية على المستوى المحلي أو على مستوى مدنها على الأقل أشير في هذه العجالة إلى محمد العبد الكريم وهو من فناني الدوادمي وأقلهم حظوة بالإعلام ومع ذلك فهو فنان أصيل لم يزل متمسكا بموروثه ومكانه وله محاولات تحديثية في توظيف بعض الخامات، أيضا عبد الله الشلتي الذي لم يزل حاضرا ومشاركا في أبها مدينته أو خارجها كما هو أيضا أحمد الأعرج الذي بتقاعده قل حضوره، هذا الفنان صاحب أسلوب خاص يجمع بين المحاكاة وتأثير السريالية ولعمله الفني خصوصيته وشخصيته، معارضه الفردية قليلة ولا أعلم ما إذا كان الأعرج لم يزل يرسم، ما يدعوني لذلك عدم تواجده في الساحة أو مشاركته، هناك فنان آخر لا يعرفه الأكثرية هو عبد العزيز الخوفي وهو من أبناء الأحساء واكب البدايات الأولى وشارك في بعض معارضها وله أعمال جميلة يمكن تمييزها. أسعدتني مشاركته في معرض نظمته في رمضان الماضي جمعية الثقافة والفنون بالأحساء وعمله وعمل لزميل مشواره عبد الحميد البقشي أجمل ما قدمه المعرض.