في كثير يحرص المرء أن يرضى الآخرون عما يقول ويفعل, وتبدر عنه أخطاء دون أن يكون قد تنبه إليها، ويذهب ظنه إلى أنه قد أجاد، غير أنه يفاجأ إما بسخط، أو إغفال، أو لوم، لما فعل من الآخرين، وربما يذهب هؤلاء الآخرون معه إلى اتخاذ مواقف لم تكن في حسبانه، فإن كانوا رؤساءه عاقبوه بجزاء لا يكافئ جهده، واجتهاده في إرضائهم، وإن كانوا أصدقاءه عاقبوه بهجره أو لومه، وإن كانوا أصحاب مصالح فلك أن تتخيل ما الذي سيسلكونه كي يسترجعوا المواقف لهم..
ويذهب المجتهد ذو النية البيضاء في نظر أولئك إلى مغفل أو مقصر، أو خبيث أو ذي نوايا ملتوية، وهو خلو من كل ذلك بعيدا عنه...
غير أن هناك واحدا لا غير، يعلم خافية الأنفس والضمائر، مطلعا على الصغيرة في خفقة القلب، والخافية في تجويفة الفكر، وما يحرك النية في المرء، لأن تغدو قولا منطوقا أو عملا منفذا..
من لا يؤاخذ المرء على خطأ غير متعمد، ولا يحبط له جزاءَ ما لا يتقصّد بسهو أو زلل, من جعل معقد النتائج في الجزاءات, هو ما تنعقد عليه النية قبل التنفيذ، نطقا باللسان، أو عملا بالجوارح, فجِنان المرء عنده، هو معمل النتائج، ومصدر الرابطة..
هو الله وحده الأكبر, الأعلم، الذي يتجاوز مواقف أولئك بسعة حلمه تعالى، بينما هم يضيِّقون المسافات بينهم, وبين أولئك المجتهدين، لمجرد أنهم لم يمنحوا أنفسهم فرصة لفهمهم، ومن ثمَّ لم يتجنبوا خسارتهم، تجد أولئك معك في العمل، وفي الجيرة، وبين الأصدقاء, وأيضا في أي مكان تبنى بينك وبينهم علاقات مصالح..
كل أولئك لا ينظرون لما تقول وتفعل إلا من ثقب ذواتهم.. بينما ذاتك سراب عندهم..
إذن فتعاملوا مع الله فقط... وحده تعالى المبتدأ والمنتهى...