يبدو أنني محظوظ بتلقي رد من الهيئة العامة للاستثمار على مقاليّ السابقين «قال استثمار قال» و»فرق بين استثمار واستهتار»، خاصة إذا كان معظم ما يكتب في الصحافة عن الهيئة لا يحظى بالرد أو التعقيب، مما جعل معظم كتّاب الزوايا والأعمدة الصحفية يشعرون بأنهم «ينفخون في قربة مخرومة!»
حتماً عليّ أن أشكر رئيس قطاع خدمات المستثمرين في الهيئة على إيضاحه، وإن كنت أختلف معه في كثير من النقاط، فالتأشيرات السخيّة تأتي بمستند الترخيص حتى لو لم تمنحها الهيئة مباشرةً، أما أنشطة النجارة والسباكة فهي استشراف للمستقبل، لأن المادة الثانية من اللائحة التنفيذية تنص على أن الهيئة تختص بالترخيص في جميع الأنشطة الاستثمارية، عدا الأنشطة المستثناة بموجب النظام، فالأصل هو إتاحة الاستثمار في جميع الأنشطة، والاستثناء هو الفرع، علماً بأن المادة الثالثة تؤكد على قيام مجلس الإدارة بصفة دورية بمراجعة قائمة الأنشطة المستثناة من الاستثمار الأجنبي بغرض تقليصها، بمعنى أننا سنمنح رخص الاستثمار الأجنبي في كل الأنشطة دونما استثناء، ومنها النجارة والسباكة، وكل هذه الفوضى تحدث بحثاً عن الأرقام، أن تكون المملكة ضمن أفضل عشر دول في العالم تتمتع ببيئة استثمارية، فها قد تقدّمت المملكة إلى المركز الثامن بين ترتيب دول العالم لهذا العام، بعد أن كانت في الترتيب الرابع عشر خلال العام الماضي، مبروك إذن، هل هذا ما تريدون؟ حتى ولو على حساب اقتصادنا الوطني والناتج المحلي للبلد؟ هل سنكرر حكاية «بروباجندا» القمح وتصديره إلى الخارج، فقط كي نحصل على جائزة السعفة الذهبية للاكتفاء الذاتي من القمح من قبل منظمة الفاو للأغذية؟ لنعلّقها على لوحة الشرف بعدما خسرنا المخزون المائي لسنوات طويلة، خاصة مع سنوات الجفاف الطويلة؟ فهل يعني تحقيقنا المركز الأول في ترتيب الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي أننا نسير في الطريق الصحيح؟ وهل يعني تأخر الدول المتقدمة في الترتيب مقابل تقدّمنا فيه أننا أفضل منها، أم لأنها تقنّن الاستثمارات الأجنبية بشكل يخدم مصالحها ويجذب مليارات الدولارات من الخارج إلى داخلها، فضلاً عن استقدام التقنية والتكنولوجيا إليها.
يا سيدي الكريم، هل تعتقد أن تعديلكم في نص الفقرة الثالثة من المادة السادسة، بوقف إصدار التراخيص للأجانب المقيمين بالمملكة ما لم يحضر هؤلاء موافقة من كفلائهم السابقين ستحل المشكلة؟ ألا تعتقد أن الأجنبي الذي امتلك مصنعاً للبلاط مثلاً، عن طريق التستر باسم مواطن، لا يستطيع أن يجد مخرجاً؟ ألا يمكنه تصدير الأموال المحصّلة خلال سنوات إلى قريبه، ومن ثم إعادتها إلى البلد وطلب الترخيص باسم هذا القريب؟ ألا تظن أن المواطن الذي تستّر على أجنبي في أحد الأنشطة، لن يبيع موافقته على منح مكفوله ترخيصاً للاستثمار مقابل مبلغ زهيد من المال؟
شخصيّاً لا أظن أن حل مشكلة كالتستر يصبح مقبولاً بخلق مشكلة أخرى، وإذا كان أهم ما في أهداف الهيئة هو ضمان تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى البلاد مثلاً، فلعل مقارنة سريعة بين الأموال المتدفقة إلى الداخل كما تزعمون، وبين المليارات الصادرة من البلاد تتضمن أبلغ إجابة على جدوى الاستثمار في شكله الحالي.
كنّا نحلم باستثمار يجلب رؤوس أموال، وشركات ضخمة متعددة الجنسيات، كنا نحلم بجلب التقنية والتكنولوجيا الحديثة، كنا نتمنى أن تتحقق للمواطنين فرص ذهبية من العمل والخبرات التي لا يحصلون عليها من المستثمرين السعوديين، لكننا فوجئنا بأنظمة ولوائح تهدف إلى القضاء على التستر، ألا يمكن حل ذلك بإلغاء نظام الكفيل مثلاً، دونما الالتفاف بهذه الطريقة؟