من السائل، ومن المجيب؟
السائل رجل الفضول الأول، والمجيب حكيم يميل إلى الصمت.
قال الحكيم: أراكَ كثيراً ما تسأل وتود أن تسأل بلا توقف، هل أنت ممن يستوعب الجواب ولا يكابر أو يجادل حين تعرض الحقيقة أو بعض منها أو أشباهها نفسها عليك؟
لا تظن أن هذه مواصفات أسقطها عليك ولكنها دعوة لئن نفكر معاً في بعض من اهتماماتك، ومن ذلك أن السؤال الذي سمعته منك بالأمس لا زلت متردداً في قبوله والإجابة عليه حيث أفترض أن الجواب في علمك ولا يمثل إدراك الجواب أي صعوبة.
لقد كنت تسألني بالأمس عن تفاصيل الأخلاق الحميدة التي أؤمن بها وأحرص على ممارستها مع نفسي ومع الآخرين، ولتعلم أن هناك من يضع الشيء في غير موضعه، فكثير مما نعتبره عرفاً قد أُدخل ليكون من حزمة الأخلاق، وهو ليس كذلك.
أُخبركَ أن ما هو عرف قد يتبدل إلى عرف آخر أو يسقط من الحسبان، أما الأخلاق فلا غنى للإنسان عنها تلازمه وتحكم تصرفه وما يصدر عنه، فالصدق مثلا لا يقبل في أدق تفاصيله أو في ظاهره أن يكون عرفاً بل هو من جوهر الأخلاق الحميدة، ويلزم من يتعامل إنسانياً أن يكون واحداً من الفاعليات في سلوكه إن سئل أجاب صدقاً، وإن أظهر مشاعراً أحاطها بصدق النية والطوية، وهكذا.
وقس على هذا ما هو وسيلة تفاعل مع الآخرين من قيم أسس لها دينك العظيم، وأقرتها الحاجة في التعامل، فدعني أسألك ألا تحب الأمانة في تعاملك، وتعامل الآخرين معك؟
أظن أن الإيجاب منطلقك، وذلك الإيجاب هو ما تفضله على غيره، فإنك في وحشة حينما تتوقع الأمانة في صنيع معين، وتكتشف أنّ لا وجود لها، فالأمانة وأمثالها من العوامل التي تؤكدها الأخلاق الحميدة، والتي بها تتطور العلاقات الإنسانية، فليس منّا من لا يؤذيه الكذب أو قلة الوفاء ومصير الأمانة في كل قول أو عمل.
إن هذا يلخص لك وجهة نظري في جانب الأخلاق الحميدة، كما كان سؤالك بالأمس مرادفاً لسؤال عن القوة.
إنك واجد في قولي اجتهاداً في الاستنتاج، وما دمت قد بذلت الجهد في فهمه وإدراكه، فهو بإذن الله لن يخرج عن الهدف.
إن القوة تأتي من مصدرين:
إما ذاتي، أو أنها قوة مكتسبة، وأظن أنك مدرك للذاتي إذا أمعنت النظر في بعض من الحيوانات المتوحشة، أو في الغلبة رجل لرجل مفتول الساعدين وهو يكسر عظم ذلك الشاب ذي البنية الضعيفة، وكذلك هي قوة ذاتية لها صلة بالاعتقاد، وقوة ما نعتقد كقوة العقيدة في جوهر الاعتقاد.
أما القوة المكتسبة فيحققها من لا يملكها، ويدرب نفسه على حيازة ما هو أقوى مما لديه، ففي الجيوش وساعات الحرب نجد أن وسائل الهجوم والدفاع لدى أحد الفريقين المتحاربين يحقق مكاسب من واقع ما تزوّد به من سلاح حديث، وبهذا زاد من قوته المكتسبة، ونستطيع أن نقيس على هذا الكثير.
هذا ما أظنه عن القوة سقته مختصراً ومركزا في المعنى، وما سبق حول الأخلاق فعلا فلقد كان مختصراً يشير إلى الموضوع بلا تفصيل، ولابد أنك أدركت أن من العرف بعض القيم ولكنها عرضة للزوال.
إن الحكمة والمصدر البليغ تظهر المثال كما أطرحه، ولكن ربما أن ملحقاته تذكر تفصيلا أكثر، ولا تنسى أن القمة في الأخلاق توفرها بالطريقة الأفضل سور القرآن الحكيم وقول الحق الكريم، وممارسة شيء من خلق القرآن يحتاج إلى تدريب وإرادة، وأنت مؤهل لذلك وفقك الله.