الحرب العالمية على الإرهاب والتطرف لم ولن تنتهي من الحياة الإنسانية ولا من العلاقات والسياسات الدولية، طالما بقي في نفوس البعض من البشر مشاعر بُغض بغيضة.
وأفكار عنف عقيمة، ومعتقدات بالية، وقيم متطرفة. هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى طالما بقي تنظيم القاعدة فاعلاً في تحركاته ومؤثراً في بعض العقول المريضة، وأيضاً طالما بقيتْ زعاماته حرةً حية، واستمرت عناصره طليقةً تلقى الدعم وتتلقاه، وتحصل على التأييد الذي يسهل لها إراقة الدماء وإزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات.
لمسنا هذا ولا زلنا نلمسه في عمليات تنظيم القاعدة الإرهابي في الباكستان وأفغانستان، في العراق واليمن، وأخيراً في المغرب العربي، تحديداً في موريتانيا.
وهذا ما يفسر تحديداً خوض القوات الأمنية الموريتانية لحرب ضروس ضد عناصر مسلحة من تنظيم القاعدة في منطقة النعمة على الحدود الموريتانية المالية، نتج عنها مقتل العشرات من عناصر فرع تنظيم القاعدة المغاربي بقيادة الجزائري «يحيى أبو الهمام» المكلف من قبل أمير التنظيم المسمى «أبو مصعب عبد الودود».
الحرب الموريتانية على فرع تنظيم القاعدة في المغرب العربي لها ما يبررها منطقياً وأمنياً بعد أن توسع التنظيم في عملياته وانتشر في خطابه وتحركاته، وبات تبعاً لذلك يمثل خطراً على الأمن الموريتاني والمغاربي، خصوصاً بعد العملية الأمنية الأخيرة قبل شهرين التي تمخض عنها مقتل سبعة من عناصر تنظيم القاعدة وأدت إلى إعدام الرهينة الفرنسي.
الإعدام الوحشي للرهينة الفرنسي والأحداث الإرهابية الأخيرة سواء كانت في العراق، الباكستان، أفغانستان، اليمن أو موريتانيا، تدل على أن تنظيم القاعدة ما كان ليستمر أو حتى ينتشر هكذا من شرق البلاد العربية والإسلامية إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها لو لا أنه وجد من يرعاه ويمنحه الدعم المالي والتأييد السياسي، ولربَّما الغطاء الدبلوماسي من بعض الدول التي وجدتْ في تنظيم القاعدة الإرهابي وسيلةً لها لتحقيق غاياتها في المنطقة ولربَّما في العالم كله.
القضية بالنسبة لتنظيم القاعدة الرئيس وفروعه في اليمن أو في المغرب العربي باتت مسألة مصيرية تتعلق بوجوده وبقائه (أن يكون أو لا يكون)، بعد أن ضُيق الخناق عليه في المركز، لذا كان لا بد وأن يبدأ تحركاته في الهوامش، خصوصاً في المناطق المضطربة سياسياً أو أمنياً أو اقتصادياً.
من جانب آخر أيضاً فإن القضية هي في ذات الوقت وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى تعد قضية مصيرية بالنسبة لدول وشعوب العالم عامة والدول والشعوب العربية والإسلامية بخاصة.
الصراع هنا لم يعد وحسب صراعاً من أجل فرض إرادة على إرادات، ولا صراعاً من أجل هيمنة توجه على توجهات، ولا بغية إثبات موقف أو فرض عقيدة متطرفة معينة وأفكار متشددة محددة من طرف على أطراف، وإنما باتت محاور الصراع أكثر عمقاً وتشعباً عن ذي قبل بعد أن أصبح الصراع صراعاً للوجود وللبقاء.
الحقيقة التي اتضحت للجميع في مركز العالم الحضاري المتمدن من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه تؤكد أن تنظيم القاعدة لا ولن يمثل مصالح الشعوب، ولا يمكن أن يعبر عن مشاعرها وطموحاتها، ويستحيل أن يكون ممثلاً لها ولا معبراً عن آمالها ورغباتها. ففي العراق - على سبيل المثال- أصبح منطق القاعدة القائم على مفهوم «التمترس» عقيماً ومرفوضاً بعد أن تسبب في قتل الآلاف من الأبرياء، وذلك في مقابل الحفاظ على مصالح التنظيم أو على أرواح حفنة من عناصره.
كما وأن منطق تنظيم القاعدة المطالب بسفك الدماء وتدمير الممتلكات وإثارة الرعب والهلع في نفوس الآمنين من الشعوب من أجل تحقيق هدف المواجهة العقيمة أو الجهاد غير الشرعي، لم يعد يدغدغ عواطف الشعوب ناهيكم عن أن يلقى من يدعمه ويؤيده منها بعد أن أميط اللثام عن وجهه الحقيقي وظهرت حقيقة التنظيم الدموية وتكشفت مآربه المشبوهة.
العالم كله تغير منذ أن ظهر الإرهاب على سطح الأحداث وبدأت تحركاته الوحشية وعملياته الدموية تؤثر في أنماط الحياة الإنسانية وتهدد الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي. تبعاً لذلك فإن القضية -كما أشرنا - باتت قضية أن يكون تنظيم الإرهاب وفروعه أو لا يكون، وذلك في مقابل «أن يكون العالم كله أو لا يكون».. ذلكم بالطبع هو السؤال المصيري الذي لا تخفى إجابته العملية والمنطقية بل والواقعية الوحيدة عن أعين وعقول العقلاء فقط.
www.almantiq.org