لم يبرد بعد أثر تلك الفتوى المذهلة التي تنم عن تشدّد وتطرّف في فصل النساء عن الرجال في الحرم المكي الشريف، والمطالبة بمنع الاختلاط عن طريق هدم الحرم المكي وبنائه مرة أخرى معزولاً فيه النساء عن الرجال، وهو العمل الذي لم يقل به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه رضوان الله عليهم ولا التابعين ولا السلف الصالح ممن هم خير من كل الناس، إلا هذا المتشدِّد الذي أبى إلا أن يدخل التاريخ من أسوأ باب وهو هدم الحرم المكي تنطّعاً وتشدّداً وتطرّفاً، أقول قبل أن يبرد هذا الخبر في داخلنا، إلا ونُفاجأ بأنه أحد مؤلفي كتب التربية والتعليم وأن اسمه معلّق على مناهج أطفالنا، ورغم أنني على يقين بأن هذه الكتب تمّت مراجعتها عدة مرات إلا أن مجرد اسمه على الكتاب يعني أنه رجل يستحق أن يكون مثالاً لأبنائنا وهذا خلاف الواقع.
إن من يجب أن يكون على هرم المناهج التربوية، هو القدوة من صاحب السيرة الحسنة والفتوى الطيّبة والعلم الشرعي الراسخ، ممن أمضى سنين حياته في طلب العلم الشرعي العميق والمتفتح الذي يفهم الاختلاف ورحمته على الناس، الذي يفهم الفقه، هذا هو من يستحق أن يكون اسمه راسخاً في عقول وذاكرة أبنائنا، ليروا ويتعلموا ويفهموا بأن هؤلاء هم من ألفوا مناهجنا وليس أحد دعاة التشدّد والغلو والاحتساب غير المدروس.
نعرف تماماً أن الوزارة لم تكن تعلم بأن أحد مؤلفي مناهجها متشدّد أو أنه سيشذ بفتواه تلك، ولكن لماذا لا يكون لدى الوزارة خطة واضحة حول شخوص من يؤلّف المناهج ولديهم رؤية واضحة عن توجهات حكومة خادم الحرمين الشريفين، وهي أن المقررات الدينية والشرعية يجب أن تكون متوازنة ومحافظة على روح التسامح وأن يكون مؤلفوها من ذوي الخبرة الواسعة وليس من قليلي الخبرة عديمي التاريخ!
إن تأثير اسم المؤلّف على الطفل والطالب تأثير قوي جداً، فكلنا نعتز بالذين علمونا وننظر إليهم وكأنهم رسل سلام وأئمة هدى، ونرى فيهم صورة ملائكية في العلم والتقوى والورع، ولكن نُفاجأ أن يكون هذا آخر اهتمامات وزارة التربية والتعليم التي إن كانت لا تعرف تاريخ ذلك الشخص فهذه مصيبة، وإن كانت تعرفه وتقر آراءه فالمصيبة أعظم!
السؤال الأهم: ماذا نريد؟ نحتاج إلى مراجعة كل الأسماء التي شاركت في التأليف، وعدم الزج بأسماء أشخاص لهم خلفيات متشددة كقدوة لأبنائنا، ومن حقنا كأمهات وآباء أن تعطينا الوزارة سيرة ذاتية عن كل من شاركوا في تأليف المناهج، ولا يوجد بعد هذا أي عذر للوزارة، فليس هناك أغلى من أبنائنا، ولا يجب علينا أن نستغرب غداً إذا رأينا من أبنائنا متشددين إذا ما كان هذا ومن هم على منواله هم قدوة أطفالنا، وهم من يؤسسون الأرضية الخصبة للتشدد وربما ما هو أسوأ كالإرهاب وغيره.. حمى الله هذه البلاد من الغلاة والمتشددين.
www.salmogren.net