في ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك لهذا العام 1431هـ وبالتحديد في ليلة الجمعة الموافق 23 /9/ 1431هـ إنها ليلة مفضلة من كل جانب، لقد ودّع أهالي قرية المستجدة التابعة لمنطقة حائل والواقعة جنوب مدينة حائل بـ120 كم، ودعوا أم عبدالله (مزنة محمد السعد) عليها رحمة الله - عن عمر يلامس الستين عاماً، سنين قضتها مجاهدة في سبيل الله بين توفير لقمة العيش لأبنائها ومساعدة لزوجها، رغم الفاقة في ذلك الزمان إلا أنها صابرة ومحتسبة - إنها سنوات مليئة بالتضحية والمشقة ولكن لا تخلو من السعادة، في حياتها ومع مرور هذه السنين من عمرها فلا يخلو بيت من بيوت القرية إلا وضعت قدميها الكريمة فيه بمساعدتهم على كل صغيرة وكبيرة، تواصل الجميع، تزور المريض، وتساعد ربات البيوت في المناسبات، لا ترحم سواعدها الطاهرة، مواصلة لأقاربها في كل مكان، تتسم بالرزانة وسعة الصدر، إنها خصال حميدة لا نستطيع حصرها بكلمات فهي أكبر من ذلك عليها رحمة الله.
إنها أم الخير تجدها في كل مناسبة تساعد ربات البيوت، تعمل لله ليس لمادة أو هدف معين، تساعد النساء على الطبخ (ففي قريتنا ولله الحمد العادات القديمة لم تندثر من طبخ بالبيوت في المناسبات صغيرة أو كبيرة ووقت العشاء بعد المغرب إلا ما ندر) وكانت في الزمن الماضي تساعد على جني ثمار المزارع من تمر وغيرها من المحصولات، وتحضر الحطب والماء على رأسها كما تفعل نساء القرية وغيرها الكثير من متاعب الحياة لتوفير لقمة العيش، لله درهن من نساء، في كل بيت لها ذكريات لا تنسى، هنيئاً لها حب الجميع. ودعها الأهالي من رجال ونساء يوم الجمعة بعد الصلاة والكل تقطر عيناه من لوعة الفراق ودفنت بجوار أهلها في مقبرة قرية المستجدة عليها رحمة الله.
في لمحة بصر تم وداع أم الخير (أم الناس) في ليلة شريفة من ليالي رمضان المبارك، ليلة من ليالي العشر المباركات، ليالي العتق من النار، ليلة وتر، ليلة جمعة مباركة - جمعت كل هذه الميزات، إنها والله تستحق ذلك فهنيئاً لها ولذريتها.
توفيت عليها رحمة الله بعد فجر يوم الجمعة وقد كانت تلك الليلة قبل وفاتها بمنزل أخيها فقد كانت لديه مناسبة (عشاء) لأهالي القرية صدقة (يتيمة) وقدّم العشاء بعد المغرب كعادة أهالي القرية وكانت هي من تعد الطعام للضيوف مع أصحاب المنزل، وتسامرت مع النساء قائلة (لقد أشرف رمضان على الفراق ليته ما يأخذ معه عزيز) قالتها في لهفة لرمضان لا تعلم بأنها سوف تفارق الحياة بعد ساعات قليلة سبحان الله.
لقد صامت جميع الأيام الماضية من رمضان، وأدت صلاة التراويح، وصلاة التهجد في المسجد، تناولت طعام السحور مع زوجها وأولادها ناوية الصيام ليوم الجمعة، أدت صلاة الفجر، وهي لا تحس بأي ألم (الله أكبر) ذهبت لفراشها وأي فراش كان يا أم الخير إنها لحظة الوداع، نامت قريرة العين، وبعد لحظات فارقت الحياة (الحمد لله على قضاء الله وقدره) هنيئاً لها حسن الخاتمة وهوان الميتة. لم تعذب أحداً في حياتها وحتى عند مماتها. فارقت الزوج والأولاد والأهل والأحباب وهي صائمة مصلية، وسوف تبعث إن شاء الله وهي صائمة، ماتت وهي في ذمة الله بإذنه تعالى لأنها أدت صلاة الفجر. لم يشتكِ منها أحد في حياتها، يذكرها الصغير والكبير بالخير دائماً أثناء حياتها وبعد مماتها. تركت لنا من الأولاد خمسة عبدالله، مطلق، راشد، عادل وجميعهم مرابطون في ثغور الوطن الغالي ومحمد موظفا، قامت بتربيتهم تربية صالحة حتى صاروا مضرباً للمثل الطيب في الإخلاق والمثابرة والكفاح، إنهم جيل طيب يفخر بهم الوطن، صبّرهم الله وجبر الله مصيبتهم ولكن لهم الفخر بهذه الأم الصابرة والمكافحة في سبيل الخير.
لن ننساك يا أم عبدالله ذكراك عطرة في حياتك وبعد مماتك.
حينما كنا صغاراً تزورنا باستمرار وكعادتها تزور الجميع ولا تخلو يداها من الهدايا والأفراح أحببناها صغاراً وزاد لنا حبها كباراً، وتضاعف حبها بعد مماتها وسوف تبقى في الذاكرة إنها أم الخير (أم الجميع).
هنيئاً لأولادها وبناتها هذه السيرة العطرة، هنيئاً لها حسن وفاتها وهوان ميتتها ووقتها، لهم الحق أن يفتخروا بهذه الأم.
أسأل الله أن يحشرنا معها ووالدينا والمسلمين والمسلمات في جنات عدن والحمد لله على قضاء الله وقدره. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فهد بن غالب الربيعان التميمي -حائل - قرية المستجدة