خلال ثلاث سنوات هي المدة التي قضيتها في بناء مسكن لي لم أر مستثمراً سعودياً، فكل من تعاملت معهم، انطلاقاً من مقاول العظم حتى من قاموا بتنظيف البيت بعد انتهاء أعمال التشطيب، مروراً بالكهربائي والسبّاك والمبلّط .. الخ، هم مستثمرون وافدون يعملون لحسابهم الخاص تحت مظلة التستُّر، لا أعرفهم إلاّ من خلال الجوال وأوراق الفواتير التي يحضرونها من الشركات والمؤسسات التي توفر لهم الغطاء القانوني، ولأكون صريحاً معظمهم يعاني ويشتكي من الكفيل، وللأمانة أيضاً لن يخلصوا في عملهم إلاً مادمت عليهم واقفاً.
العاملون في محلات التموينات والحلاقة والمطاعم وورش إصلاح السيارات .. وغيرهم كثير، كلهم مستثمرون تحت غطاء التستُّر وكلُّهم أيضاً متذمِّرون، نعم إذا استثنينا السواقين وخدم المنازل والعاملين في الشركات الكبرى، فمعظم البقية مستثمرون بطريقة أو بأخرى، بل إنّ بعض السواقين وفّر له الكفيل السيارة وأصبح يعمل بالمشوار شراكة مع كفيله، فأصبح مستثمراً هو الآخر، كما قام بعض الوافدين المخالفين باستدراج الخادمات من منازل كفلائهن، ومن ثم تأجيرهن للمساكن باليوم والساعة فأصبحوا مستثمرين.
الاستثمار غير النظامي في بلادنا مفتوح على مصراعيه والجميع يربح على حساب الوطن والمواطن، وعندما شرعت الدولة نظاماً للاستثمار الأجنبي المباشر والأجنبي، وبشروط حسب رأيي ليست بالسهلة، غضب من غضب حمية للمواطن الذي يتستّر على الاستثمارات الأجنبية مقابل مبالغ مالية شهرية أو سنوية مقطوعة، ومقابل تجديد الإقامة والأوراق القانونية اللازمة لتوقيع العقود وإصدار الفواتير، وأصبح الجميع يتندّر بالتراخيص النظامية لوافدين يستثمرون في أنشطة صغيرة.
أحد العقاريين، وهو صديق لي، يقول دائماً يتأخر الإيجار فأكلّم الوافد ويقول لي اذهب للكفيل وأكلم الكفيل، فيقول أنا راعي الرخصة فقط اذهب للوافد، فيقول الوافد لقد أعطيته الإيجار ليدفعه لك لكنه صرفه وأنا في ورطة فاصبر حتى أوفر لك الإيجار، وقصص ومآسي التستُّر كثيرة ولا حصر لها، ونتائجها السلبية على الوطن والمواطن كثيرة ومتعددة ومؤلمة في كثير من الأحيان. وأقول ربّ ضارة نافعة وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، نعم تضرّرت الهيئة العامة للاستثمار من هجمة شرسة امتازت بكثير من الحدّة واتهام النيّات وتتبّع الأخطاء الصغيرة والاستخفاف والسخرية والتصلّب والتشنّج، رغم النجاحات التي حققتها لصالح بلادنا، ولكن في الأمر خيرة إن شاء الله لصالح الوطن والمواطن والهيئة المنظمة للاستثمارات الأجنبية أيضاً. إذا أعتقد أنه حان الوقت لفتح ملف التستُّر على مصراعيه لمعالجته نظامياً من جذوره رحمة بالوطن والمواطن والوافد أيضاً، والأمل كل الأمل أن تتكامل الهيئة العامة للاستثمار مع وزارتي الداخلية، والعمل لإعداد خطة استراتيجية للقضاء على التستُّر خلال خمس سنوات، وتحويل كافة الاستثمارات المتستّرة إلى استثمارات نظامية، ومن يرفض يعاقب نظاماً بأشد العقوبات، فالتستُّر جريمة أضرّت بالاقتصاد والمجتمع ضرراً بالغاً وحان علاجه، ولا أرى أيّ مبرّر للتأخر في ذلك بتاتاً.