كتاب صدر من دارة الملك عبدالعزيز لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز بعنوان ملامح إنسانية من سيرة الملك عبدالعزيز، والملك عبدالعزيز رحمه الله ينيب اسمه عن التعريف به، والأمير سلمان بن عبدالعزيز أحد أبناء المغفور له الملك عبدالعزيز الذي أحب القراءة حتى لا يكاد يخلد إلى النوم إلا وبيده كتاب يقرأه، منصرفاً عن مشاهدة التلفاز في تلك الأثناء، ولهذا فقد تراكمت عبر السنين في ذهنه معلومات كثيرة تستأنس بسماعها في مجلسه أو قراءتها في مؤلفاته وخطبه وردوده.
والأمير سلمان في كتابه المذكور آنفاً قد وثق ما سطره من مراجع سابقة، أو سماع من ثقات، أو حضور واقعة.
لهذا لن أتطرق إلى ما ذكر الأمير سلمان عن الملك عبدالعزيز رحمه الله من صفات شخصية، فذلك ليس بخفي على من قطن هذه البلاد أو كثير من غيرهم، ولكن سأنقل بعضاً من القصص الجميلة التي وردت في الكتاب. ومنها تلك المتعلقة بتعامله مع خصومه، فقد طلب أحد وكلاء خصومه لدى الأتراك العودة إلى الوطن بعد فتح الملك عبدالعزيز للرياض، فرحب به وعينه عضواً في مجلس الشورى، وفي قصة أخرى نجد أن سليمان العجلان، ابن عجلان الذي كان والياً على الرياض قبل فتحها يعمل بإخلاص مع حراس الملك عبدالعزيز، وقصة أخرى لافتة، وهي أن أحد الخصوم أقام في العراق وكان يراسل أعوانه في المملكة، والملك عبدالعزيز يطلع على تلك الرسائل، وكان من ضمن العبارات التي يبعث بها عبارة ذات صلة بمستوى التعليم. وعندما أراد ذلك الخصم العودة رحب به الملك عبدالعزيز، وقال له اليوم أصدرت قراراً بتعيينك مديراً عاماً للمعارف في البلاد لتعليم الجميع، وفعلاً تولى ذلك الرجل هذه المسؤولية، واجتهد فيما أوكل إليه، ومن شواهد ذلك النهج الذي اختطه الملك عبدالعزيز أن رئيس التشريفات لديه كان يعمل لدى أحد خصومه فغضب ذلك الخصم عليه وطرده، فاستقبله الملك عبدالعزيز وولاه التشريفات.
وفي لمحة أخرى من ملامحه رحمه الله، أنه عندما شحت الموارد المالية في بعض السنوات وأصبح من الصعب دفع كامل مرتبات الموظفين، بسبب الحالة الاقتصادية الضعيفة، طلب الملك رحمه الله من اثنين من مستشاريه اقتراحاً لحل المشكلة، فجاء الاقتراح بأن يتم تسريح نصف الموظفين، لكي تتمكن الدولة من دفع مرتبات النصف الآخر، وانزعج الملك من هذا الاقتراح، وتكلم عليهما كلاماً شديداً، وقال: أنتما اثنان وعليكما أن تبدآ بتطبيق هذا الاقتراح بتسريح أحدكما مثل الآخرين. فارتبكا ارتباكاً شديداً، وقال لهما الملك: تسريح هؤلاء الناس في وقت لا توجد فيه أعمال هو ضياع لهم، ومؤثر في مصالحهم وحياتهم، وبدلاً منه عليكما تخفيض الرواتب إلى النصف على الجميع، وبذلك يتم الإبقاء على الجميع إلى أن يغير الله الحال. ومن قصص عطفه رحمه الله أنه عندما جاء لمتابعة العمل في بناء القصر في المربع، وكان ذلك في شهر رمضان، شاهد عمالاً يعملون تحت الشمس الحارقة، فتوقف وسأل عن رئيسهم، فعندما جاء سأله الملك عبدالعزيز عن مواعيد العمل، فأجابه بأنه من الصباح الباكر حتى العصر، فقال الملك عبدالعزيز رحمه الله: يالله العجب! أنا لا أعمل بيدي، وأستعمل السيارة، وأشعر بالعطش، من الآن فصاعداً: لا تعملوا في رمضان أكثر من أربع ساعات من أول النهار، ولكم أجر كامل.
أتوقف عند هذه المختارات من الملامح لأقول: إن الأمير سلمان بن عبدالعزيز القارئ للتاريخ وهو يسطر تلك السطور إنما يقدم للأجيال الحالية واللاحقة معالم من معالم أساس بناء هذا الوطن الكريم القائم على الشريعة الإسلامية وتجسيد معالمها من محبة وكرم وتسامح، في وقت سادت به تيارات تتقاذف الدول والشعوب، ومن ثم فإن تلك الخلال وغيرها من الصفات أداة تماسك هذه السفينة من تلك الأمواج العاتية دونما غرق أو جنوح، فوصلت السفينة إلى ما وصلت إليه، وشاهد العيان، يغني عن البيان.