عندما كانت ناسا تجهِّز لرحلات الفضاء الخارجي، صادفتها مشكلة استحالة الكتابة بالأقلام العادية في الفضاء بسبب انعدام الجاذبية فاجتهدوا في البحث عن حل, فأنفقوا ملايين الدولارات من أجل تطوير قلم جاف، وبمجهود بسيط وتكلفة لا تُذكر استخدم الروس القلم الرصاص لحل المشكلة!
علّقت شاحنة في نفق بسبب هبوط بسيط في سقف النفق فأُعلن في المدينة حالة الطوارئ، واجتمع كبار المهندسين وأفضل الخبراء والمتخصصين لحل المعضلة، وجيء بالآليات الثقيلة وبدا أنّ العملية ستستهلك وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، وفي هذه الأثناء مرّت بالصدفة أُم وابنها الذي لم يتجاوز السادسة على موقع الحدث، وفي خضم حيرة الكل أعطاهم الصغير رأياً مزّق ظلمات المشكلة، فقد أشار عليهم بأن يخففوا قليلاً من هواء إطارات الشاحنة، وفي أقل من دقيقة انتهت الأزمة!!
قصة قوم إبراهيم عليه السلام عندما رفضوا رسالة الله, بحجة مخالفتها لما عليه آباؤهم.. رغم أنّ القرآن قد نبّههم عن طريق التساؤل عن الإمكانات الفكرية التي كان يملكها آباؤهم، وكذلك وجّههم إلى القيام بعملية موازنة ومفاضلة بين تراث آبائهم وبين ما تأتيهم به الرسالات من قِبل الله، ومع هذا أكد هؤلاء وبعقلية كأنما طُبعت من جلمود على أنهم لن يتغيروا حتى لو تجلّت لهم أفضلية الرسالة!! {إِنّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىَ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَىَ آثَارِهِم مّقْتَدُونَ, قُلْ أولوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىَ مِمّا وَجَدتّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوَاْ إِنّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}.
أيها العزيز تأمّل في المشاهد السابقة وستجد أنّ المشكلة في المشاهد الماضية تمثّلت في الممانعة في التغيير والاستمرار في طرق قديمة معروفة، لذلك لم ينجح أحد!!
وقد تحدّث الكاتب جون لورنس عن نظرية (يين ويانج) الصينية للتعلُّم وهي تبيّن حالتين متباينين للتعلمُّ في الحياة الأولى: هي (اليين) وهي تعبر عن الجانب البدهي والتلقائي والعفوي، ففي الحياة ستعرف أشياء كثيرة وتتعلّم أشياء كثيرة، ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة (التوسُّع) ويدخل ضمنها ما اعتدنا على فعله وما ألِفناه من عادات وتقاليد أو أفكار أو آراء ويدخل ضمنها الاستبداد بالرأي، وكذلك ما يفرضه علينا العقل (الجمعي) وهو ما يشكّله المجتمع من تصوّرات وانطباعات متراكمة ترسخ في وعي الأفراد وضمائرهم.
وأما المرحلة الأهم والأخطر فهي حال (يانج) أو مرحلة (التصحيح)، وهي الجانب (الواعي والناقد)، وهو الجانب الذي يقوم بتقليب الأفكار وإعادة النظر في بعض المقدمات والمنطلقات والمسلّمات التي توصّل لها العقل في مرحلة (اليين) وتطويرها وتحسينها، فعند ناسا وأصحاب النفق وقوم إبراهيم، كانت هناك فجوة بين (اليين واليانج)، حيث كان التركيز على (اليين) وهو مرحلة التوسُّع غير المدروس أو التمسك بما تم اكتسابه! دون التمحيص والتدقيق وإعادة التقييم وتجريب الحديث.
يقول كريس كول: (إنّ أعظم خدمة يقدمها الإنسان لنفسه هي القيام بفحص شامل للعقل وما فيه من أفكار ومعتقدات ورؤى، فمن يفكر بشكل إيجابي سيتصرّف بشكل إيجابي وسيحصل على نتائج إيجابية)، ولكي تحدث ذلك التوازن بين (اليين واليانح) لابد أن تسعى نحو المعرفة والحصول على المعلومات المفيدة ومن مصادرها الموثوقة، وعدم الانشغال في سفاسف الأمور وصغائر القضايا والحرص على امتلاك مهارة التمييز بين الآراء الشخصية وبين الحقائق الثابتة والتفريق بين التحليل والمعلومة.
ثق بنفسك وأقدم وجرّب الجديد ولا تبق في آخر الرَّكب، وتذكّر أن النجاح في الحياة له ضريبة وربما تطلّب منك السير في دروب موحشة وتبنِّي أفكار تبدو غريبة!
ومضة قلم:
لو كان لديّ ثماني ساعات لأقطع بها شجرة لقضيت ست ساعات أسنّ بها فأسي!
(ابراهام لنكولن)