يخطئ من يظن أن النجاح في الإدارة أن يكون المدير عابس الوجه متجهماً.. يصرخ في وجه هذا.. ويشتم ذاك.. ويهدّد هذا.. وينادي بالويل والثبور لذاك.
قد ينجح هذا الأسلوب في ضبطهم فقط لخوفهم منه.. ولكنهم حتماً لن يحبوه ولن يعملوا ويخلصوا من أجل رفعته أو تقديراً له.. إنما هو الخوف الذي يسيطر على قلوبهم.. وكل هذا لسبب بسيط هو أنهم فقدوا العلاقة والحب المتبادل بينهم وبينه.
إن نشر الحب والإخاء بين الموظفين والعمل على جعلهم لحمة واحدة.. والالتقاء بهم خارج العمل بين الفينة والأخرى. وممازحتهم.. وتشجيعهم على إنجازاتهم هو ما يخلق منهم روح فريق متكامل وجد الحب والتسامح ليعمل بكل تفان.. ويبذل من أجل ذلك كل ما يملك من الوقت.. حتى ولو كان وقتاً خارج العمل.. فهو لن يتوانى لحظة في بذل ذلك.. لعلمه بأن هناك من سيقدّر وسيشكر هذه الجهود المبذولة.. ولن يتجاهلها أو يقلّل من قيمتها. لا يتخيل أي مدير أو مسؤول عندما يطبطب على ظهر موظف أو يربت على كتفه ممتدحاً إياه ومشجعاً له.. لا يتخيل حجم المشاعر التي تنتاب ذلك الموظف وكيف يكون لها مفعول السحر في نفسه.. وكم سيظل يتغنى بكلمات المديح والثناء التي سمعها منه.. إن حب الموظف لعمله هو رقم صعب في معادلة العمل.. فلو تمكن كل مسؤول من نشر الحب بينه وبين موظفيه.. وبين الموظفين أنفسهم لرأى ما لا يخطر له على بال.. وكم من موظف افتقده عمله وخسره مديره لسبب بسيط وهو أنه لم يستطع فك شفرة هذا الموظف الذي قد يكون شعلة من النشاط والحيوية ولكنه لم يجد الجو المناسب والتشجيع الكافي والتقدير لما يعمل فكان الإحباط هو النتيجة الحتمية.. وكم من موظف كان شعلة من النشاط والحيوية وعمل بكل ما أوتي من قوة.. ثم انطفأ فجأة للأسباب نفسها..
أعتقد بأننا ما زلنا إلى يومنا هذا نمارس أسلوب الإدارة التقليدية.. وكنت دائماً أقول في نفسي بأن الإدارة ليست مجرد أساليب موضوعة وخطط ومناهج فقط.. أقول ليست فقط.. ولكن الإدارة لا بد أن تعتمد على محرك شخصي وإنساني.. فالنفس البشرية خصّها المولى عزَّ وجلَّ عن بقية المخلوقات بأن جعل للتأثير الحسي والحالة المزاجية والنفسية عاملاً مؤثراً فيها بشكل كبير.. قد يكون سبباً في تحقيق النجاحات أو في الإخفاق في شيء ما.
فأنت لا تستطيع أن تقوم بعملك بشكل مثالي إذا كنت لا تشعر بالحب للمنظمة التي تعمل بها أو الانتماء إليها.. إن أغلب منظمات الأعمال في العالم بدأت تتجه إلى نوع جديد من الإدارة وهي الإدارة بالحب والتي تعتمد في جزء كبير منها على رفع درجة الانتماء والحب للمنظمة والقائمين عليها.. وتهيئة أجواء الإبداع في العمل للوصول إلى أفضل أداء يمكنهم الوصول إليه عن طريق الاهتمام بالموظفين كافة دون تمييز أحد عن أحد.. وغرس روح الحب والانتماء بداخلهم.. حتى لو وصل الحال أحياناً إلى مساعدتهم في شؤونهم الخاصة وسؤالهم عن أحوالهم الشخصية والعائلية..
كان وما زال هاجس الإدارة بالحب يشغلني كثيراً.. وكلي أمل حتى هذا اليوم أن أجد مؤسسة حكومية كانت أو أهلية تطبق هذا المفهوم بطريقة مثالية في مجتمعنا الوظيفي..
كنت وما زلت أحلم بذلك المسؤول الذي يبتسم في وجه موظفيه ويبادلهم التحية ويسأل عن أحوالهم.. ويعاتبهم بكل حب وإخاء وإنسانية.. ويتجاوز عن زلاتهم.. دون أن يؤثّر ذلك على هيبته.. أو يخدش سير العمل..
كم أتمنى أن يكون هذا الهاجس وهذا الحلم حقيقة يوماً ما.. ونرى الحب هو المحرك الأساسي للمسؤولين.. ويمتلك المسؤول قلوب موظفيه وبالتالي حتماً ستتضخم روح الانتماء والوفاء بداخلهم وسيزيد معدل الأداء بشكل ملحوظ لنثبت للجميع أن الحب قد يحقق ما لا يتحقق بغيره وأن الإدارة بالحب ليست كلمات، بل هي واقع ملموس.. فقط ينتظر من يبادر ليزرع الحب ويحصد النجاح..
أخيراً.. مؤسساتنا بحاجة ماسة إلى القيادة بالحب لإعادة برمجة عقليات من يعملون فيها وهم الذين تأثروا بالبيروقراطية والفوقية.. وأقاموا الحواجز والجدران بينهم وبين الآخرين.. وطرحوا الأحاسيس والمشاعر النبيلة الصادقة.. ظناً منهم أن لا علاقة لها بالإدارة والعمل.. حتى غدت مؤسساتنا تعيش في صراع وابتدعنا للصراع إدارة.
دمتم بحب.
مدير العلاقات العامة الملحقية الثقافية في بريطانيا وإيرلندا