من الناس مَن يجيد الوقوف في منطقة متوسطة أو شبه متوسطة بين الأبيض والأسود، وهي ما تسمى بالمنطقة الرمادية.
هؤلاء المتوسطون وسطية (غير محمودة) قد يكسبون الكثير نتيجة هذا التوسط، ولكنهم يخسرون شيئاً واحداً، وإن كان في نظر بعضهم أنهم لا يخسرونه، وفي نظر البعض الآخر أنهم يخسرونه ولكنه ليس ذا قيمة بالنسبة لهم، فما هو هذا الشيء؟
إنه المبدأ، وهل المبدأ أمر هين؟
الإنسان بلا مبدأ لا قيمة له، سواء عند العرب والمسلمين أو غيرهم من أصناف وأجناس البشر وأتباع الديانات المختلفة.
فصاحب المبدأ راسخ وشامخ رسوخ الجبل وشموخه، والخالي من المبدأ كالقطن المنفوش أو كالرماد في اليوم العاصف، يتطاير يمنة ويسرة ولا أخف منه!!
فما الفارق بين: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)، و(والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته إلا أن يظهره الله أو أهلك دونه)؟
إنه الشيء الذي يراه السذج الجهلة ذوو الأفق الضيق أنه هين، ألا وهو المبدأ!
إن تمسك الرسول صلى الله عليه وسلم بمبدأ تبليغ الرسالة كما أمره الله عزَّ وجلَّ يجعله لا يتخلى عنه حتى ولو وصلت الإغراءات إلى ما لا يخطر في بال بشر!
بينما تذبذب المنافقين مرده أنهم لا مبدأ لهم، وهذا حالهم قديماً وحديثاً!
يدعم ذلك قول سيد الأنام صلوات ربي وسلامه عليه:
(مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة).
(العائرة) المترددة الحائرة لا تدري أيهما تتبع، (تعير) أي تتردد وتذهب.
فما الذي يجعل المنافق أو المنافقين يترددون ويتذبذبون كالشياة العائرة؟
إنه الخلو من المبدأ، ولا شك أنهم أكثر حيرة وضياعاً من الغنم.
لا أبالغ إذا قلت إن المبدأ نظير العقل، فالإنسان إنسان بمبادئه وخلاف ذلك إن خلا منها، وكذلك العقل فارق بين الإنسان والبهائم!إن أصحاب المبادئ واضحون، والتعامل معهم سهل ومريح، وهم الخالدون الذين خلدهم ثباتهم على مبادئهم وصدقهم مع أنفسهم ومع الآخرين.
أما مَن عدموا المبادئ فهم ميتون وهم بين الناس أحياء، وبعد الممات الحقيقي هم منسيون غير مخلدين، مهما أوتوا من غنى أو جاه أو مناصب.
ولا أحد يتوقع أو يتخيل الشقاء الباطني أو الداخلي الذي يعانيه الخالون من المبادئ، وإن أظهر بعضهم السعادة المتصنعة الزائفة!
وقد يقول قائل: إنه لا يوجد إنسان عاقل يعيش بلا مبادئ، فالرد على مثل هذا هو:
إنَّ صاحب المبادئ الفاسدة الجائرة حاله حال مَن لا مبدأ له، كمبدأ: فرِّق تسُد، وكمن يتخذ مبدأ: الغاية تبرر الوسيلة، والمبدأ الجاهلي: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فالأول أبطله الإسلام بالدعوة للوحدة والإصلاح بين المتخاصمين، والثاني حاربه الإسلام بمبدأ الحلال والحرام، والأخير أبطله بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لمبدأ سامٍ شريف في نصرة الأخ الظالم وهو: منعه عن ظلم الآخرين.
رافد:
يقول الشاعر المبدع عبدالرحمن العشماوي:
قد يعشق المرءُ مَن لا مال في يده
ويكرهُ القلبُ مَن في كفه الذهبُ
حقيقةٌ لو وعاها الجاهلون لما
تنافسوا في معانيها ولا احتربوا
ما قيمة الناس إلا في مبادئهم
لا المال يبقى ولا الألقاب والرتبُ
Al-boraidi@hotmail.com