قرأت ما كتبه الأستاذ راشد بن عبدالله القحطاني في العدد 13868 من صحيفة الجزيرة ليوم الجمعة 8 شوال 1431هـ بعنوان: (كيف يستفاد من ثروة الدكتور الهويمل؟).. وقد أشاد بكتّاب (الجزيرة) عامة، وبما كتبه د. حسن الهويمل خاصة؛ ودعا إلى ضبطه وتشكيل مفردات ما يكتبه.
والأستاذ راشد القحطاني حريص على اللغة العربية، وسبق أن كتب أكثر من مقال دفاعاً عنها، ودعوة للعناية بها، ومقاله هذا يسير بذلك السياق وإن أخذ موضوعه من الاهتمام بكتابات د. الهويمل.
فالضبط والتشكيل الذي أشار إليه هو حاجة عامة، ولكن أختلف معه في المثال الذي اختاره للضبط وهو التفريق بين تاء الفاعل المتحركة وتاء التأنيث الساكنة في جملة (... لقد دخلت المكتبة الجديدة والتي بذل فيها الأبناء من الإصلاحات... إلخ)، ورأى أن عدم تشكيل التاء في (دخلت) ملبسة بين أن تكون ساكنة، أو تكون متحركة بالضمة، ولم يلاحظ أن التاء هنا في حال الضبط تأخذ كسرة في حين اعتبارها تاء تأنيث (دخلتِ الْمكتبةُ) منعاً لالتقاء الساكنين، ثم إنه لا يتصور في قراء مقالات د. الهويمل أن يخطئوا في مثل هذه الجملة البسيطة، لأن المعنى لا يسمح بغير تاء الفاعل المتحركة.
وتبقى الحاجة قائمة في ضبط بعض الكلمات التي يقدرها الكاتب نفسه، وخصوصاً إذا قصد شيئاً من الجناس القائم على تغيير ضبط بعض الأحرف، كما في الفعل المبني للمعلوم والمبني للمجهول، واسم الفاعل واسم المفعول من الأفعال الرباعية والخماسية والسداسية، وخصوصاً إذا وردا في جملة واحدة وأراد الكاتب التأكيد على تقديم أحدهما على الآخرة مثل جملة: (البلاد المستعمرة تستفيد من البلاد المستعمرة) فمعرفة اسم الفاعل من اسم المفعول هنا تعتمد على ضبط الميم بالكسرة أو بالفتحة.
وشيء آخر نلحظه هنا وهو صعوبة هذا العمل في الصحف اليومية، لضخامة المادة التي تنشر، والعبء الملقاة على قسم التدقيق اللّغوي في رصد أخطاء الطباعة، واستدراك أخطاء الكتّاب أنفسهم إملائياً ولغوياً، ومعالجتهم إشكالات عديدة تنشأ عن اختلاف القراءة أحياناً، إذ يضطر المدقق اللّغوي إلى تشكيل مجلسٍ استشاريٍّ من الإخوة الذين إلى جانبه، أو يرجع إلى رئيس القسم، وقد يضطر القسم أحياناً إلى الاتصال بالكاتب نفسه للاستفسار عن قصده من الجملة.
والاجتهاد في مثل هذا قد يوقع في بعض الإشكالات بما يسمى (التصحيف)، وقد يكون الحلّ في معظم الأحيان الالتزام بحرفية ما يسطره الكاتب وشكليته، إلا أن يكون خطأً واضحاً مدعوماً ببرهانٍ لا يُرد، وخصوصاً في النقل الخطأ لبعض النصوص القرآنية أو الحديثية أو الشعرية، أو كتابة بعض الأسماء المشهورة، أو عنوان كتاب كما أشار إليه الأستاذ راشد. فلو أن التدقيق اللغوي كان قد استدرك الخطأ الطباعي في اسمي الكتابين (شرح ابن عقيل) الذي صحف إلى (عقبل) بالباء، و(الروض المربع) الذي صحف إلى (المريع) لكان أدى ما عليه بالتمام والكمال، والأغلب أن المادة تكون مكتوبة بخط اليد في مثل هذه الحالة وتشتبه النقطة الواحدة بالنقطتين، فإذا كان الأخ المدقق لا يعرف الكتاب ولم يسمع به من قبل يقع مثل هذا الخطأ، وليس مطلوباً منه أن يعرف كلَّ شيءٍ.
ومع وجود البريد الإلكتروني الآن يحسن بالكتّاب الأفاضل أن يرسلوا مقالاتهم مكتوبةً على الحاسوب بعد تدقيقها، إذ يتجنبون عدم الوضوح على الأقل. وأعان الله الإخوة المدققين على أمثالي الذين يرسلون بخط اليد حتى الآن!.. ولكم وللأستاذ راشد تحية طيبة.
شمس الدين درمش