|
أقامت مجموعة «ملتقى الإبداع الثقافي» في المملكة العربية السعودية سلسلة نشاطات ثقافية فنية متنوعة، حيث تضمّن برنامجها الحافل معرضاً تشكيلياً مشتركاً مع الفنانين اللبنانيين في صالة «جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت» في العاصمة بيروت، وإقامة ورشة عمل مع جمعية «راشيَّا» للثقافة والفنون، وذلك بهدف إنجاز رسم جزء من لوحة ضخمة بعنوان «المحبّة والسلام»...
وكان النشاط الفكري الأكبر في قاعة «الحركة الثقافية في لبنان» حيث تضمن سلسلة محاضرات من قبل أعضاء «ملتقى الإبداع الثقافي»، ألقت الضوء على المشاهد الثقافية والتشكيلية في المملكة العربية السعودية، وحاضر فيها كل من الناقد والفنان التشكيلي «عبد العظيم الضامن»، والكاتب «علي الدرورة» عن «الرواية»، والباحث «عباس الشبركة» عن «المشهد الأدبي في القطيف»، والأستاذة «فوزية المبارك» عن «المراكز الثقافية النسائية في السعودية».
وألقى كلمة افتتاح سلسلة المحاضرات الدكتور الفنان غازي قهوجي وكانت بعنوان «أهمية وضرورة وجدوى وجود الآخر».
كلمة الدكتور غازي قهوجي
«الآخر»
أهلاً بكم في الحركة الثقافية في لبنان، وفي رحاب هذا الوطن الاستثنائي على أكثر من صعيد، فمنذ سنين و»الاستثناء اللبناني» بإيجابياته وسلبياته هو القاعدة، لهذا لم يهدأ اللبنانيون يوماً على متن، ولا استراحوا على ضفاف، فقد دفعوا أثماناً باهظة - وإلى اليوم - مقابل حماية هذا الاستثناء المنتشر عميقاً في المجالات كافة.
هكذا، حتى وصلنا جميعاً إلى مرتبة «الاستثناء الغرائبي».
فلبنان المطبعة ودار النشر، المشفى، البنك، المعرض، المصيف، المشتى، الجامعة، الصحيفة، الترجمة، المهرجانات، الندوات، الملتقى وحرية القول، هو أيضاً لبنان العروبة الممانعة والتعدد والاختلاف، وطرح الإشكاليات وصراع المتناقضات.
فمنذ البدء ولبنان في عمق دنيا العرب وعلى خط تماسٍ مفتوح على الغرب والعالم.
إن حوار الثقافات، هو الهدف والمرتجى والمراد، وهو البديل المجدي عن صراع الحضارات، وكذلك فإن التنوُّع في الرؤى والتغاير والتمايز الثقافي والفني، هي النَبَض المستمر ولبّ الحراك الانساني، وجوهر تخطّى الرائج والسائد والمألوف.
ويبقى «الآخر» المحاور هو في ما يكتنزه وينضح عنه من رؤى ومفاهيم إبداعية تأخذ بنا من «حال» عتمة الوحدة والوحشة والمراوحة إلى «مقام» ألق الألفة والانفتاح والانطلاق.
فمن دون «الآخر» تبقى الحياة مغلقة، رتيبة، أحادية المعنى والدلالة والتأويل، وتكون حبيسة ظلام وظلم ما تخلّف من الماضي، وتكون ضريرة عشواء أمام وهج الآتي وسطوع ضوئه.
«الآخر» هو ذاك الرائي الذي لا يُشبهني: فلا أنا أحاول الذوبان فيه، ولا هو يسعى إلى الانصهار بي. هو من يستدرجني- طوعاً - إلى فرادته المتوثِّبة المتجدِّدة.
هو من يُدركني - عميقاً - في خصوصيتي، كي نتوازن معاً بالتنوُّع الحرّ المنتج المستقل، المؤدي إلى تواصل في الرؤى الكلّية الحاضنة والحافظة والحامية لقِيَم الوجود. وتكمن أهمية وجودي، في قربي منه على مرمَى هَمْسَه، ومن دون اتحاد، ولا يكون البعد عنه، إلاّ كابتعاد الجناح عن الطير في تحليقه، وكاستطالة غصن مورّق عن شجرة وهو منها، وكرحلة جدولٍ عن نهر وهو من عذب مياهه:
هذا الوصل الفصل، القُرب البُعد، هو الذي يستولد المفاجئ ويرقى بمداركنا كافة ومن دون استثناء.
هذا التوازن غير المتناظر، الذي لا يألف الأرقام ولا منطق العدد ويتخطَّى الجغرافيا، وينحاز إلى الزهر البرّي، وإلى كل صفقة مجدافٍ في بحر، وإلى كل رفّة جناحٍ في فضاء، ويسير حثيثاً على وتر الضفّتين معاكساً مجرى النهر وصولاً إلى المنابع تاركاً لجمهرة اليقين الجامد كل سقط المتاع عند المصبّات.
«فالآخر المحاور» هو لي، كما أنا له: المحفِّز المحرِّض المنافس والمرآة، وبانتفائه تقف الرحلة ويضيع المسار، فهو من أتسابق معه على زرع الجديد في الأرض اليباب، ونحاول معاً نشر الضوء على صحارى التيه والشتات، ونمانع ونصدّ ونقاوم استعادة مجتمع سابق كَسَره الزمن وتخطاه العصر، حتى كاد العرب أن يكونوا الشعب الوحيد على هذا الكوكب من يضع ماضيه أمامه وليس مستقبله.
فمنذ ما ينوف على الألفي عام ونحن نتنازع على التاريخ حتى طارت من بين أيدينا الجغرافيا.
أعتقد بأننا يجب أن نأخذ من الماضي جذوته وليس رماده، وأن نعي جيداً بأنه حتى الفراشة الصغيرة الرقيقة تحتاج إلى كل السماء لترفّ وتطير.
«فالآخر» هو من أجهد واجتهد معه للتمييز بين فعلَين جاذبَيْن لاقطَيْن: فعل «نَظَرَ» وفعل «رَأَى»، ونعمل معاً من دون أن نخون سخاء العين وجودَها وكرمَها. فمعه تتشكّل ثنائية تؤنسن الحياة وتهندس وجودها وعطاءَها وديمومَتها.
فعندما يغيب «الآخر» أو يُغيّب، يجفّ ماء الشعر وتنحطّ الموسيقى وتذوي المخيّلة ويبهت اللون وتموت الروح.
«فالآخر» هو الحب ومعنى الإنسان هو جوهر الحرية ولبّ الانتماء. هو تكامل الوجود وسبب الوجود والجدوى من كل هذا الوجود.
مرةً ثانية: أهلاً بكم مبدعين في ميادين البحث الثقافي المتنوّعِ وفي الفنون التشكيلية والصحافة والرواية والتصوير.
وإنها مناسبة كريمة أن تتزامن زيارتكم وحضوركم مع اكتمال عقود ثمانية على توحيد المملكة العربية السعودية المشهود لها بالوقوف الإيجابي الدائم والحاسم مع لبنان.
إنه يوم العيد الوطني المواكَب بحوار الثقافات الساعي إلى عالم أفضل وأشمل وأكمل.
ملتقى إبداع الثقافي
بيروت - 2010م
المشاركون
1 - عبد العظيم الضامن - مدير عام الملتقى - محاضر.
2 - رجاء القديحي - إدارية.
3 - فوزية المبارك - العلاقات العامة - محاضرة.
4 - فاطمة الضامن - مصورة ضوئية.
5 - علي الدرورة - باحث ومحاضر.
6 - جعفر الصفار - إعلامي - جريدة اليوم.
7 - صالح غريب - إعلامي - جريدة الشرق القطرية.
8 - عباس الشبركة - باحث - محاضر.
9 - ماجد الشبركة - إعلامي - جوال الترجي.
10 - عبد الباري الدخيل - إعلامي.
11 - نهار مروق - فنان تشكيلي.
12 - دنيا الصالح - فنانة تشكيلية.
الفنانون المشاركون:
1 - محمد الرباط - جدة.
2 - فهد خليفة - جدة.
3 - نهار مرزوق - جدة.
4 - رجاء الشافعي - الشرقية.
5 - مهدية آل طالب - الشرقية.
6 - راشد الراشد - الشرقية.
7 - عبد العظيم الضامن - الشرقية.
8 - دنيا الصالح - الرياض.
د. غازي قهوجي - بيروت- لوحة تشكيلية (لحياة والإنسان) - بريشة عالية الشراري