لم يكن اختيار اليونان أول محطة في زيارة رئيس وزراء الصين لمنطقة اليورو صدفة أو ترتيباً طبيعياً نابعاً من جدول أعماله فهي استبقت اجتماع بروكسل بين قادة آسيا أوروبا وهو اجتماع اقتصادي بامتياز، فالصين تتحرك باتجاه أوروبا أكثر من أي وقت مضى في ظل تصاعد وتيرة الضغوط الأمريكية عليها لرفع قيمة اليوان وهي المجابهة القائمة بين أكبر اقتصاديين عالميين.
فإذا عرفنا أن الصين تواجه حملة كبيرة تحثها على تغيير عملتها من قبل أمريكا فإن أوروبا تطالبها بذلك أيضاً وهذا ما برز في اجتماع بروكسل الذي عقد بعد زيارة المسؤول الصيني لليونان، فهو استبق ذلك الطلب بأن أكد على أهمية الصين بحل مشاكل اليورو وبأنهم أي الصينيين مستعدون للمساهمة بحل تلك المخاطر الكبيرة التي تتعرض لها دول تلك المنطقة من خلال الذهاب إلى بؤرة الزلزال التي فجرت أزمات منطقة اليورو فمن المعروف أنك عندما تزور دولة متضررة تبدأ من منطقة الضرر الأكبر ولذلك هو ذهب هناك ليقول إنه يثق باقتصاديات تلك الدول ويدعم بقاء اليورو كعملة قوية منافسة للدولار ولمعرفة الصينيين بأن تلك المنطقة تحتاج أكثر من أي وقت مضى لأموال المستثمرين التي تعيد الحياة لاقتصادياتهم وكذلك تعزز الثقة فيها فاختار أن يظهر ذلك عملياً من خلال تعهده بشراء سندات يونانية حال طرحها بالأسواق وبأنهم سيسهمون بتنشيط الاقتصاد اليوناني من خلال 13 اتفاقية وقعت بين شركات صينية ويونانية مع الوعد برفع التبادل التجاري بينهم إلى 8 مليارات دولار بشكل سريع وتأسيس صندوق للاستثمار باليونان بخمسة مليارات دولار.
وهذا التحرك سيجعل الأوروبيين في موقف المطالب لتغيير سعر صرف اليوان بشكل أقل حدة من الأمريكيين إلى درجة التمني فقط ولم يترك رئيس وزراء الصين اجتماع بروكسل قبل أن يرد على تلك المطالب بأنها لن تؤثر على مستوى النمو الاقتصادي للصين سلباً بل سيمتد أثرها إلى نتائج سلبية على الاقتصاد العالمي فكثير من الأوربيين يعرف أن للصين دوراً كبيراً بما يشهده العالم من تعافي بعد الأزمة العالمية ولذلك هو وضع مصالح الطرفين على الطاولة فنحن سنساهم بإنقاذ اقتصادياتكم «المتحدة نقدياً والمختلفة بسياساتها المالية» ومنتقداً اتجاه الدول الأوروبية لسياسات التقشف التي اعتبرها الآسيويون بالمؤتمر مضرة بنمو الاقتصاد العالمي وأراد الصينيون أيضاً القول للأوروبيين إن الحديث عن أسعار الصرف لن يجلب لكم إلا المزيد من الضغوط الاقتصادية لأن ضعفنا يعني أنكم تساهمون بعودة الركود للاقتصاد العلمي مجدداً.
ومن هذا المنطلق إرادة الصين أن تدافع عن مصالحها وترد على التحركات الأمريكية الداعية لرفع قيمة عملتها بحوالي 40% كي تصبح بأسعار حقيقية تعكس قوة الاقتصاد الصيني برفع مستوى التعاون مع أوروبا وتحويل العلاقة إلى شراكات أبدية تسهم بمنفعة كبيرة للجهتين على المدى القصير والمتوسط والبعيد وكأننا نشهد تكتلاً جديداً بدلاً من مجابهة بدأت تتشكل بشكل سريع من خلال حرب العملات وكذلك الحمائية التي ستحرق معها كل الجهود المبذولة لتدعيم نمو الاقتصاد العالمي الهش.
إن ما يجري من مجابهة أمريكية صينية اليوم يقفز بحجم المخاوف الصينية إلى مستوى عالٍ فمجرد التفكير بأن 65% من احتياطيات الصين دولارية يعد أمراً مقلقاً لهم وبالتالي لا بد من التحول نحو اقتصاد اليورو عبر عدة طرق لتحويل هذه الثروات إلى استثمارات تتوزع فيها الأصول الصينية بشكل متوازن يسمح بتقليل هامش أي ضغط قادم عليهم من أمريكا خصوصاً بعد مطالبات الكونجرس بوضع قيود على الدول التي تحمي عملاتها والمعني الأكبر فيها الصين وكذلك اشتراط وزير الخزانة الأمريكي أن رفع حصص التصويت بصندوق النقد الدولي للدول الناشئة بأنه مرهون بإصلاح سياساتها النقدية حيال قيمة عملاتها. ولذلك تتجه الصين بزخم كبير نحو أوروبا لزيادة الارتباط بينهما حتى يكون مصير الطرفين واحداً بما يسمح بدعم كل طرف للآخر حيال أي تحديات اقتصادية تواجههما من خلال تدفق المال الصيني لأوروبا وكذلك تعزيز الشراكات التجارية بما يكفي لتعميق المصالح إلى حد أن تكون مصيرية ومشتركة بالسراء والضراء.