ها هي بوصلة القلب لأول مرة في العمر تتجه جنوباً، وهي التي اعتادت منذ أن اخترعها الإنسان أن تتجه شمالاً ثم تحدد الجهات.
كان قلبي شمالياً منذ أن رأى النور ثم انزلق باتجاه البحر ليعشق تلك المدن الساحلية عشقاً طويلاً وإلى أن ابتعد البحر وبقي القلب مجرد أحفورة حجرية لضبّ أو سمكة في الصحراء، وهكذا كلما اقترب القلب ب (المدّ) حتى تركه البحر ب (الجزر)؛ فوجدت عشق المدن الساحلية عسيراً على هذا الكائن الصحراوي الغريب الذي هو أنا، ولكن حينما تكون هذه المدن ضمن خريطة القلب فإن عليّ عشقها رغماً عني كما أعشق الصحراء تماماً؛ وذلك لأن عشق الأوطان واجب إنساني و(فرضي)، يأتي بعد الفرض والسنة، هكذا لمن يفهمون كيف يعشق المواطن (ماء الوطن، حجر الوطن، شجر الوطن، سماء الوطن، بحر الوطن، صحراء الوطن) وإنسانه العظيم، ثم إن حب الوطن هو الحب الذي لا يتجزأ تماماً كما تحب والديك؛ لذا اسمحوا لي أيها السادة القراء أن أتحدث عن (جزء من القلب) أو جزء من حب القلب كنت أرسم له تخيلاً في ذلك الجزء إلى أن عرفته واقتربت منه فأضاء الفؤاد، إنه حب (جنوب) الوطن الذي أشرق في القلب وأضاء عن حبيبة تعانق البحر وتغفو بجانبه بكل هدوء تحت نجوم الجبال، إنني أعني (جازان) تماماً، التي تجوَّلت فيها أخيراً كما تتجول على رواحلها الحبيبة رمال (جازان) التي هي أغلى من الذهب، وكما قال (هو شيء منه).
دمنا أغلى من الذهب
ولكن لما يحتاجه الوطن
يصبح رخيصاً كالرمل
ولكنني أقول العكس: دمنا حينما يحتاجه الوطن يصبح غالياً مثل رمل الوطن، ولكننا نبذله لأجله؛ لأن رمل الوطن أغلى من الذهب؛ من هنا سأكتب عن جازان (المدينة، البحر، الجبال والسهول..)، وسأبتدئ من عبارة رائعة علقت على عارضة في مدخل مدينة العارضة في جازان، تقول:
(لا تبتسم لأنك في العارضة، بل تبتسم العارضة لأنك فيها).