لا أعرف كيف تذكّرت المخرج التلفزيوني لمباراة النصر والرائد الأخيرة، والتي كان يصرّ فيها على ملاحقة الكاميرا لجثّة حارس المرمى عبدالله العنزي وملامح وجهه وهو يرتعش كذبيح، بعد اعتداء عنيف من اللاعب أجواد أقدار، وذلك بعدما قرأت خبرًا نشرته إحدى الصحف المحلية عن مأذون أنكحة في نجران، يعترف فيه، وبالتفصيل الطويل المتلذّذ، عن دخوله بزوجته الطفلة ذات الاثنى عشر ربيعًا، وكأنما على وسائل الإعلام أن تنقل الموضوع أو الحدث بالتفاصيل المملّة أو المخيفة أو المؤلمة، كأنما مخرج المباراة يتلذّذ بانتفاضة تشبه انتفاضة الموت، وكأنما الصحفي يتلذذ بنقل وقائع انتهاك طفلة.
هكذا فعلها المأذون إذن، بعدما غضبت والدته وقد علمت أنه أهدر شهرين ونصف يقاوم رغبته الجنسية وهو يرى طفلة هزيلة أمامه لا تعرف لم جاء بها أهلها إلى بيته؟ ولم تركوها هنا وذهبوا؟ وإلى أين ذهبوا؟ هكذا دخل بها بعد محاولات استمرت أسبوعين، (لاحظوا أسبوعين) وهو طبعًا يفعل ذلك برًّا بوالدته التي قالت له: لا يوجد في البنات صغيرة! ليتجاهل نصيحة الأب الحنون (جدًا) الذي حفظ حق ابنته الضحية بأن طلب منه ألا يدخل بها إلا بعد سنة من الزواج، وهي في الآخر مجرّد نصيحة موجهة إلى شاب ثلاثيني يفيض طاقة وشهوة، وحتى لو نفذها فهو سيفعلها أيضًا في طفلة لم تتجاوز ثلاثة عشر عامًا!
كنت أفكّر فيما لو تم سنّ قانون يحرّم زواج الأطفال، ويفرض على أي مأذون أنكحة عقوبة شديدة فيما لو عقد قران بين طفلة لم تبلغ السن القانوني وبين رجل ناضج، فمن سيراقب المأذون إذا كان هو العريس؟ وكيف سيخشى الله سبحانه في طفلة لم تبرح ألعابها ولهوها البريء؟ أي من سينصفها إذا كان خصمها القاضي؟
الغريب أن البعض يرى أن مظهر الطفلة وكبر جسدها، حتى لو كانت طفلة، هو مبرّر لزواجها وانتهاك طفولتها، وكأنما المأزق كله يتمحور حول جسدها وهل هو قابل لتحمل الوطء والحمل والولادة أم لا، بينما الأمر المقلق هو في البعد النفسي للطفلة التي تتعرّض لوضع قد تكون انعكاساته السلبية مؤذية وعواقبه وخيمة، خاصة أنها ستربي جيلا قد يبدو منكسرًا ومهزومًا.
وحتى لحظة تقنين عمر الزواج ومنع زواج الطفلات، لا يبدو في الأفق من يحاول منع هذه الانتهاكات الإنسانية سوى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، التي يقتصر دورها على التنسيق ومخاطبة الجهات دون أن تمارس دورًا مؤثرًا، دون أن تمنع أو توقف أو تتخذ قرارًا حازمًا.
أظن أن الوحشة التي تكون عليها طفلة صغيرة تم جلبها كبضاعة رخيصة إلى منزل غريب، يقلقها سؤالها البريء: لماذا تركني أبي هنا ومضى؟ تجعلنا نقف حزنًا وسخطًا إزاء جرح غائر لا تشفيه التصريحات المتناثرة في الصحف من قبل أعضاء جمعية حقوق الإنسان!