لاشك أننا نسكن في عالم غاضب، متوتر ومتسارع شعاره «اغضب الآن، واعتذر لاحقاً»، ونعيش ومن حولنا الكثير من الحمقى والحسّاد وأعداء الحب والحلم والنجاح، الذين يقتاتون على مصائب وزلاّت البشر، ويفرحهم فشل الآخر ودمعاته التي ترسم ابتسامة على وجوههم، لا تستقيم حياتهم إلاّ بعثُّرات الآخرين، ينتقدون ليل نهار الطقس، الزحمة والناس، من النادر أن ترى ابتسامة صادقة على محياهم، أو تسمع إطراء رقيق منهم، فهذا المديح لا يخرج من حاسد وغاضب ومحطِم مثلهم، هم في عدم استقرار نفسي على مدار العام ليس بسبب سوء أحوالهم، بل تلك النظرة للحياة والأشياء والناس هي العلّة.
أقلّ ما يقال إنّ الحياة معهم صعبة وبمثابة تحد ٍ حقيقي يواجهه الكثيرون.
واليوم لن أتحدث عنهم، وأحاول أن أصف لهم حلولاً تناسبهم وتغيّر نظرتهم إلى الأشياء، بل إنني سأتحدث عن هؤلاء الذين يعاشرونهم ويعيشون معهم ويعانون منهم كل يوم، فقد يكون هؤلاء أصدقاء أو أقارب أو زملاء عمل تتشارك معهم ذات المكتب، فكيف ستعيش مع شخص من الصعب إرضاؤه، أو خلق جو مريح وممتع معه حيث إنك لا تعرف ماذا يدور في فكره.
لم تتعرّف عليهم بعد؟؟ حسناً سأساعدك.. لهم علامات مميّزة، أهمها أنهم محطمّون وعدائيّون من الدرجة الأولى، ومتذمّرون بامتياز، ينتقدون كل شيء من حولهم ويعتقدون أنهم يواجهون القضية الأصعب والأعقد كلّ دقيقة.
فكم شخصاً تعرف من هذه الفئة؟؟ وكم مرة في اليوم تقابل أحد هؤلاء الحمقى؟
باعتقادي أنه عدد غير قليل وأكاد أجزم أنك تعبت منهم وتريد أن تنعم بحياة ممتعة سعيدة هادئة ومنجزة، وكي تتجنّب الصدام والغضب بسببهم خلال يومك، يجب أولاً أن تغيِّر علاقتك بتلك المشكلة، أن ترد وتعامل هؤلاء بطريقة جديدة كلياً، فلو انتظرنا منهم أن يغيّروا طريقتهم لانتظرنا طويلاً وضاعت منا سنوات بأجمل ما فيها من لحظات ونحن نشعر بالحنق وبالضيق والضغط منهم.
أعتقد أننا يجب أن ننظر للجهة الأخرى ومن زاوية أكثر انفراجاً، أن نتجاهلهم و(نطنِّشهم) ونشعر بالأسى والألم لهم وليس منهم، بدلاً من أن نشعر بالإحباط والضغط وفقدان الأمل لأن وبكل بساطة هناك حمقى كثيرون في هذا العالم.
لا تركّز عليهم ولا تحاول أن تكسب ودّهم، سعادتك ليست مرتبطة بسعادتهم، وحبهم لك ليس سرّ سرورك في الدنيا بل العكس تماماً، إنهم ليسوا والديك لكي تستميت لإرضائهم، فقلوبهم ليست جنة لكي تناضل للبقاء فيها، وكما يقول الكاتب ريتشارد كارلسون مؤلّف السلسلة الشهيرة «لا تهتم بصغائر الأمور فكل الأمور صغائر» (إذا ألقى عليك أحد الكرة، فلست مضطرا ً للإمساك بها)!.
كل ما عليك فعله هو تذكير نفسك بأنك لم تولد لتكافح لتلقي استحسانهم، هؤلاء جزء صغير من حياتك وليس حياتك كلها، فإنك تتعامل يومياً مع عشرات الأشخاص عائلتك أو العمال لديك في أماكن مختلفة: الجامعة والعمل والشارع أو حتى في (السوبر ماركت) من بينهم على الأقل 90% مهذّبون ولطيفون ويؤدّون عملهم بشكل جيد لا بل ممتاز، هناك منهم من يبتسم في وجهك، ولا يعترض طريقك في الشارع أو الطابور، منهم من لا يقاطع كلامك أو يسيء إليك، منهم من يفتقدك فعلاً إذا لم يراك صباحاً، أي أنّ الغالبية الساحقة في حياتك هم أناس لطفاء، والقلّة القليلة هم هؤلاء المزعجون والعدائيّون والمحطّمون، ولكن للأسف لن نتذكر من المواقف الجميلة أو الرائعة التي مررنا بها خلال اليوم أو الأسبوع، بل سنسترجع مرة بعد مرة انتقاداً غير عادل قيل لنا، أو سائق متعجرف اعترض طريقنا وعكّر علينا مزاجنا طيلة اليوم.
أخيراً .. العلاج الناجع هو تجاهلهم وعدم إلقاء اللوم عليهم، لا تفكر فيهم ولا تشغل وقتك وتبدّد طاقتك بتذكير نفسك بأفعالهم وأقوالهم المعتادة بل أشفق عليهم والتعايش مع عدم الكمال الذي تتسم به الحياة، وأشعر بالامتنان كل الامتنان لوجود أشخاص رائعين في حياتك، يحبونك ويهتمون لأمرك ويضايقهم ألمك ووجعك، ويسعدهم فرحك، يحتفون بنجاحك ويصفقون له .. هؤلاء هم الثروة الحقيقة وجنة الحياة الدنيا أليس كذلك!؟
نبض الضمير:
(ليس هناك شيء جيد أو رديء، ولكن التفكير يجعله أحدهما).