شعرت بنوع من الحزن الصامت والساكن وأنا أتابع إعلامياً احتفالات الأطفال المعاقين وبخاصة أطفال التوحد ومتلازمة داون وهم يلوحون بالأعلام والبيارق والكفوف في احتفالات اليوم الوطني. قد لا نعرف ما بدواخلهم لكننا نصغي جيداً إلى تمتماتهم وعباراتهم المتكسرة التي تريد أن تخرج ولا تستطيع... نطلق عليهم ونحن المقصرين أوصاف التخلف (المتخلفون فكرياً) أو عبارات المعتوه، المجنون، المهبول... تحضرنا الفكري والتقني والاقتصادي يجعلنا أكثر تطرفاً فنصفهم بالمتخلفين لأننا فقط لم نفهم ولم نتعرف على احتياجاتهم... حزنت مرات عدة وأنا أشاهد أطفال التوحد ومتلازمة داون يلوحون بالأيدي والأعلام والنظرات السارحة وهم في هذه اللحظة خارج المؤسسات التعليمية: المدارس، المعاهد، الأندية... هم محرومون من المدارس الحكومية ومن مدارس القطاع الخاص ووزارات مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التخطيط ووزارة المالية لا تنظر لهم إلا رقماً على هامش السكان وخارج دائرة الديمغرافيا السكانية... كل ما عمل لهم تعليمياً أنهم جمعوا بكل فئاتهم وشرائحهم في معاهد الفكرية (معاهد التخلف الفكري) حشرت تخصصات الإعاقة الفكرية في موقع واحد.. إذن قضية أطفال التوحد ومتلازمة داون تتقاذفها الوزارات وكل جهة تتمسك بمبررات ليست مقنعة: هل هذا الطفل قابل للتعلم أو غير قابل.. هل هو معاق حركياً أو ذهنياً هل هي مشكلة جينات أو سلوك؟ هل هو فرط أو خامل حركياً وتصنيفات وتعليلات تتمسك بها الوزارات للتهرب من مسؤوليتها وجعل مصيرهم إلى ذويهم أو للمجهول وتبقى الأسرة هي من يعاني في الحصول على مدرسة أهلية بأقساط مرتفعة جداً بحجة أن تعليمهم يحتاج إلى جهد ومناهج خاصة ولكون الوزارات لم تعترف بهؤلاء الطلاب المعاقين جاءت مدارسهم متناسبة مع حجم واهتمام وزارة: التربية والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والمالية.
مدارس هي في الواقع منازل قديمة أعيد تأهيلها في أحياء خلفية وكأن تعليمهم نوعاً من الدس والخفية والعيب ومبانٍ نصفها مرمم بنظام اللصق والنصف الآخر من الصفيح و(الشينكو) وأعضاء هيئة التدريس من غير المتخصصين ومن العاملات المنزلية والسائقين. مع احترامي وتقديري لجميع العاملين من المتخصصين وأصحاب الشهادات والتأهيل إلا أنه هذا هو الواقع. ولكون جهاتنا الرسمية في التعليم والشؤون الاجتماعية والصحة لم تعترف رسمياً بحق هؤلاء في التعليم في المدارس الحكومية أو في مدارس أهلية بمواصفات تربوية وتعليمية وصحية جيدة لذا تمادت وتجاوزت إدارات مدارس المعاقين في الأداء التعليمي والتأهيل والرعاية.
كما أن من احتفلوا (أطفال التوحد ومتلازمة داون) مع إخوانهم وأقرانهم ممن هم في سنهم في التعليم العام باليوم الوطني ورفعوا الأعلام والأيادي بالتلويح من حقهم أن يحصلوا على مدارس مثل زملائهم الأصحاء فالحياة ليست للأقوياء فقط أو النافذين أو الأذكياء بل الحياة للجميع وحقاً علينا دولاً ومجتمعات وأفراداً إعطاء الضعفاء حقوقهم وممن لا يقدرون أن يدفعوا عن أنفسهم وعدم حرمانهم من حق العيش الكريم والتمتع بعطاءات الدولة ورفاهيتها للمواطن.