موضوع العنوان أعلاه ذكرني بطرفة منقولة عن سكان بيوت القصب (الجبايش) في أهوار شط العرب العراقية. يتندر سكان الأهوار بحكاية امرأة منهم صماء بكماء ومليحة اسمها طنبورة، تزوجها فلاح أهواري مثلها واستطاع بلطفه وسعة صدره التفاهم معها على كل شيء وبأحسن ما يكون التفاهم. كان من ضمن ما تفاهما واتفقا عليه أن يفرش الزوج بساطهما الأحمر على أرض الكوخ كلما أراد مداعبة طنبورته بحيث إذا عاد من أعماله يجدها تنتظره متزينة ومستعدة على بساطهما المفروش. ذات يوم أقبل عليهم فيضان النهر الهادر من بعيد وسمع الفلاح صياح الناس وثغاء الدواب وهدير المياه فأسرع إلى داخل الكوخ وبسط الفراش على الأرض ثم مضى يجمع بعض ممتلكاتهما الهامة الخفيفة والمتناثرة في جنبات مزرعتهم الصغيرة لكي يضعها على البساط ويصره ثم يهرب مع طنبورة والبساط المصرور على ظهره طلباً للنجاة من مياه الفيضان. لأن طنبورة كانت صماء بكماء لم تسمع هدير مياه الفيضان وصراخ الناس وثغاء البهائم القادم من شمال الهور ولذلك عندما عادت من المطبخ ورأت البساط مفروشاً فهمت ما تعودت من قبل على فهمه فاستلقت على البساط في انتظار زوجها الحبيب. ما لبث الزوج أن عاد حاملاً معه بعض الأشياء كان يريد وضعها على البساط وفوجئ بطنبورته الحبيبة مستلقية هناك، فلم يتمالك عندئذ إلا أن أطلق صيحة مدوية: أهوووه ! العرب وين وطنبورة وين!!. تلك الصيحة ذهبت مثلا وما زال صداها يتردد في أهوار العراق وجنباتها.
ملابسات الحكاية ليس لها علاقة بما سوف أتعرض له في بقية هذه السطور. المهم هو المثل (العرب وين وطنبورة وين) لأنه إذا طبقناه على واقعنا الاجتماعي وحورناه هكذا: العالم وين والعرب وين !! سوف يكون كما أعتقد معبراً عن موضوعنا هنا.
الموضوع المستهدف هو ما ورد في خبر صحفي عن وجود موقع إلكتروني يفك السحر عن بعد، ويتعامل مع أربعين ألف حالة (عدد هائل من المسحورين أليس كذك ؟). ورد هذا الخبر في جريدة الحياة، عدد الجمعة 22 شوال 1431 هـ في الصفحة الرابعة، حيث أورد مراسل جريدة الحياة من مدينة الجوف ذلك الخبر مع تفاصيل كثيرة عن موقع إلكتروني في الجوف يشبهه صاحبه بمستشفى افتراضي يتم فيه استقبال المرضى، ويستمعون إلى رقية شرعية عامة (انتبهوا للتصنيف، رقية عامة وليست متخصصة) مسجلة بصوت صاحب الموقع. صاحب الموقع وفقه الله يقول في نفس الخبر إن المريض إذا استفرغ أثناء سماعه للرقية الشرعية يعرف أنه مسحور بواسطة شراب. لكنه وبالذكاء الصحراوي والتحوط المعهود فينا جميعاً أضاف: قد لا يكون المريض مصاباً بمرض روحي بل يعاني من مرض نفسي أو عضوي (ولا أدري كيف يفرق صاحبنا الراقي بين المرض النفسي والروحي والعضوي)، وفي هذه الحالة يتم تحويله كما يقول إلى أحد الأطباء المميزين حسب تصنيف ورؤية صاحب الموقع لطبقات الأطباء.
والله لا أدري ماذا أقول ولا بماذا أعلق. أغلب المرضى قد يستفرغ إذا أرهقه الطبيب بالكلام وكثرة الأسئلة سواء كان مصاباً بسرطان الدماغ أو قرحة المعدة أو التهاب الزائدة الدودية، فما بالك إذا سمع كلاماً كله إيحاءات بالسحر والمس والحسد.
اللهم لا تعليق لي سوى أن أقول: العالم وين والعرب وين، وين الملايين وين وين ؟ !!
إليكم بعض الشروحات لبعض الكلمات الواردة في النص لتسهيل فهم المضمون:
فيضان النهر يعني المعلوماتية في الشبكة العنكوتية.
طنبورة: المواطن الساذج.
البساط: المجتمع المحلي.
زوج طنبورة: العاقل الذي لا حول له سوى الهرب.