سوق عكاظ ولد كبيراً وعظيماً، ولكن يبدو أن لهذه العظمة تطور آخر، فكما وعد صاحب السمو الملكي خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة، بأن يكون عكاظ سوقا للثوابت والأصالة وسفيرا للصورة السعودية المشرفة من بابها الثقافي الواسع شعراً ونثراً رواية وإنجازاً.
سوق عكاظ في نظري، أراه صورة ممتدة للمنجز السعودي الذي يحاول أن يجعل من كل الـ 365 يوماً كلها احتفالا بالثقافة، واحتفاءً بالمثقف العربي والسعودي على حد سواء. وهي الخطة التي تبناها أمير الثقافة، الشاعر خالد الفيصل، وهو يخطط ليجعل من هذا المنتدى مساحة سنوية لا تغيب عنها شمس المملكة طوال العام ولعل هذا أبرز تحدي يمكن أن نشجعه وندعو له، فالمنجزات العظيمة تحتاج لقرارات عظيمة وشجاعة قبل كل شيء فهي أساس تلك الخطط، والدعوات التي تلقاها المثقفات والمثقفون هي مد لجسور الثقافة السعودية بين بعضها البعض في مناطق المملكة المترامية، وكذلك مد جسور أخرى من نوع أخر لا يقل أهمية وهي جسور التواصل السعودي العربي. ولا أبالغ حين أقول والعالمي أيضاً، فطريق الثقافة ذو الألف ميل يبدأ من سوق عكاظ الجديد في حلته الجديدة التي يخطط لها «أمير الثقافة» أن تظل طوال العام.
الغريب والجميل في نفس الوقت هي الرؤية الجميلة لهذا المتلقي من خلال الربط التاريخي بين العصور العربية المختلفة على أبواب هذا السوق، فمن السوق الجاهلي إلى السوق العباسي وانتهاء بالعصر السعودي الثقافي، ما هي إلا روابط صلة حواضر اللغة بماضيها وجمل الثقافة المترابطة عبر التاريخ والتي تتقاسم اللغة والدين والأرض والجغرافيا والناس أيضا.
إن حصر الثقافة في رواية أو في نشاط شعري أو في ملتقيات مثقفين هو ابتسار للثقافة بشكل لا يتوافق مع مسمى الكلمة وآفاقها المستقبلية لكن الذي لا يشك فيه أحد، أن في سوق عكاظ تختلط الموسيقى والتراث والفنون المختلفة منها لتخلق شيئاً جديداً اسمه: سوق عكاظ!
لفت نظري، الأوبريت الذي تم عرضه في يوم الافتتاح، إذ حضور فنانين سعوديين مثل: محمد عمر، وعلي عبدالكريم، ومشاركتهم بأصواتهم الشجية التي كاد ينساها هذا الجيل، إن لم يكن قد نسيها بالفعل، وأعتقد أن هذا هدف من أهداف سوق عكاظ. بعد أن غابت الأغنية الأصيلة في سوق الفضائيات والفيديو كليب.
يبقى التحدي الكبير والمأمول من أولئك الرجال والسيدات الذين يقفون خلف هذا المنجز أن يضيفوا لهذا المشهد الثقافي والحضاري المزيد من الألق والجمالية حتى يستمر حدثاً سنوياً يحيه الناس ويعلق في ذاكرتهم بل ويكون منارة وطريق لهداية الشباب نحو الفن والثقافة والتواصل مع الآخر، الآخر المختلف عنا في اختياراته الفكرية أو الآخر غير السعودي أو غير العربي أو غير المسلم والذي يجب أن نخلق مساحة نتحاور من خلالها.
ولعل أجمل من يلعب هذا الدور وأكثر ما يدعونا للحماس أن هذا الحدث هو بقيادة الأمير خالد الفيصل، وتحت رعاية خادم الجرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي ولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز، حفظهم الله لنا جميعاً ذخراً للثقافة والمثقفين.