عدم التغطية الكاملة لحصة الأفراد المطروحة للاكتتاب بشركة الخضري لا بد أنه حدثٌ غير عادي في مسيرة سوق الطروحات الأولية بالسوق المالي السعودي؛ حيث استقرت نسبة التغطية عند 83 في المائة، وكان من الطبيعي أن يكون عدد المكتتبين منخفضًا، لكنَّ النسبة بتراجع أعدادهم كانت أيضًا لافتة؛ حيث لم يصل الرقم حتى إلى 400 ألف مكتتب على غير العادة؛ حيث كانت الأعداد كبيرة وتجعل التخصيص بأقل من الحد الأدنى للاكتتاب، غير أن البارز قيام المؤسسات المالية بتغطية الاكتتاب بثلاث مرات، وهذا من شأنه أن يسعد هيئة سوق المال حيال دور المؤسسات المالية الذي بدأ يطغى على دور الأفراد بالسوق؛ لأن من شأنه أن يضفي مزيدًا من العمل المحترف في تعاملات السوق، ويعكس زيادة بأعداد المستثمرين عبر تلك المؤسسات، خصوصا أن حجم الاكتتاب صغير ولا يعكس بالضرورة زيادة بعدد المستثمرين عبر الصناديق.
لكن بالمقابل فإن حجم الاستثمار الفردي بالسوق الذي يفوق 90 % إلى الآن يزرع بذور الشكوك حيال توجههم إلى السوق والاقتناع بجدوى الاستفادة من الفرص الاستثمارية التي تطرح أمامهم بسوق لطالما سار وفق آلية نجاح أي اكتتاب والقدرة على تغطيته ماليا بكل يسر وسهولة، خصوصا من جانب الأفراد.
وفي حالة الاكتتاب الأخير لا بد من بحث أسباب العزوف عن الاكتتاب بكامل الحصة المطروحة للأفراد؛ لأن بذلك يمكن قراءة الكثير من العوامل التي أدت إلى تلك النتيجة المخيبة في الإقبال على الفرص الجديدة بسوق الطروحات الأولية.
ولعل أول إجابة من المتعاملين الأفراد حيال تلك الأسباب التي أدت بهم إلى تهميش كل الدعوات المتبعة للتعرف على الاكتتاب وجذبهم إليه أن السوق أصلاً لم يعد مغرياً، ولا يمكن المجازفة فيه بأي مبلغ مهما صغر.
كما أن المستثمر الفرد يرى في اكتتابات التخارج أنها لا تعود بالنفع إلا على أصحاب تلك الشركات من حيث تعظيم ثرواتهم ببيعهم لحصة 30 في المائة من أسهم الشركة من خلال ذهاب متحصلات الاكتتاب إلى جيوبهم، وكذلك ارتفاع قيمة الشركة رسميا إلى أرقام كبيرة بعد إدراجها من خلال ضرب سعرها بعدد أسهمها؛ ما يعطيها قيمة سوقية تضيف بليونيرات جديدة إلى عالم الأثرياء محليا وعالميا.
بينما يرى المكتتب الفرد أن حفنة الأسهم القليلة التي يحصل عليها لا تعود عليه بأي عائد ذي قيمة، هذا بخلاف ما زرعه تاريخ الشركات السابقة التي تدخل بعلاوة إصدار إلى السوق من خيبة أمل من خلال انخفاض أسعارها بشكل حاد من أعلى قيم حققتها حتى عن سعر الاكتتاب وتحول بعضها إلى خسائر تشغيلية بعد أن قدمت نفسها بوصفها شركات ناجحة ذات ربحية عالية؛ ما أوجد شكوكًا لدى المستثمرين بأنهم يخاطرون بأموالهم في المجهول.
وبالتالي أصبح أسلوب التخارج من خلال الطرح بعلاوة إصدار مرتفعة نفسيا عامل مخاطرة ستتخوف منه الشركات التي تنوي التحول لشركات مساهمة قبل غيرها، كما أن المؤسسات المالية ستستشعر من خلال نتائج هذا الطرح الجديد أن إدراج الشركة بالتداول سيشوبه الكثير من المخاوف في عدم قدرتهم على البيع بأسعار مرتفعة عن السعر المحدد ببناء سجل الأوامر، وقد يلحق بهم خسائر بمعزل عن جودة الشركة خصوصا أن النظام أعطاهم الحق بالبيع المباشر فور الإدراج، فعلى من سيتم التصريف.
كما أن مثل هذه الطروحات المرتفعة السعر نفسيا قياسا بأسعار الشركات المدرجة بالسوق سيرغم بيوت المال التي تدير مثل هذه الاكتتابات على التروي كثيراً في دراسة الأسعار المناسبة؛ لأن العنصر النفسي سيلعب دوره بشكل أكثر بروزاً في المستقبل؛ حيث يجعلهم ينظرون إلى القيم المناسبة للسوق وليس الاعتماد على مكرر الأرباح وباقي عناصر تقييم السعر.
أما من ناحية النظرة العامة للسوق فإن التركيز سيكون على الشركات التي لها تاريخ أكبر مع المتداولين بخلاف ما ستخلفه هذه النتيجة من نظرة خارجية عن السوق السعودي بأن هناك خللا ما يقف في وجه الإقبال على تمويل الاكتتابات سواء لمن يرغب الاستثمار فيه أو حتى لمن يقوم بعمليات التغطية لقيمته الاستثمارية والفرص المتاحة فيه من الجوانب التي تضعف رغبة المستثمر المحلي في الإقبال عليه.
إن هذا الاكتتاب يفترض أن يعيد ملف طرح الشركات الجديدة خصوصاً التي بعلاوة إصدار إلى واجهة الاهتمام من قبل الجهات المعنية سواء لمعرفة أسباب العزوف من قبل المستثمرين أو حتى الطرق التي يتم تقديم تلك الشركات بها للعامة إعلاميا، فشركة الخضري هي أول شركة مقاولات تطرح بالسوق، وهو القطاع الذي يعد من أكبر القطاعات بالاقتصاد السعودي، كما يجب النظر في القيمة المضافة التي تعطيها إلى السوق أي شركة تطلب الاكتتاب؛ ما يستدعي تغيير آليات إضافة الشركات للسوق وأسلوب تقدير أسعارها عند بناء سجل الأوامر لتشمل عوامل تقلل من أي هامش مخاطرة كما حدث بالشركات القديمة التي فاجأت الجميع بما آلت إليه أوضاعها والارتكاز على قاعدة السوق الأساسية بأنه لتمويل الشركات لرفع مقدرتها على توسيع نشاطاتها.