هنالك موضوع خطير، ولكنَّه على خطورته مهملٌ عند كثير من الناس، لا يفكرون في آثاره، ولا يعيرونه كبير اهتمامٍ حينما يستمعون إلى أخباره.
موضوع خطير، يمكن أنْ يصبح به الإنسان قاتلاً وهو لا يدري، وظالماً وهو لا يشعر، ومعتدياً وهو لا يحسُّ، هذا إذا كان الإنسان غافلاً عن هذا الموضوع الخطير، أو جاهلاً بحقيقته، أمَّا إذا كان عالماً به، فهو لا يعدو أن يكون منتمياً إلى إحدى فئتين: فئة تبالغ في هذا الموضوع مبالغةً كبيرةً تخرج به من المعقول والمقبول، وفئة تبالغ في التهوين منه وإهماله تهاوناً يخرج به عن المعقول والمقبول.
ومع ذلك كلِّه فهو موضوع خطير يستحق أن نقف عنده وقفة تنبيهٍٍ وتحذير.
الإنسان العاقل لا يرضى أن يسيء إلى أحدٍ من الناس بقولٍ أو فعلٍ كبر أم صغر، لأنه لا يرضى الإساءة لنفسه، فكيف سيرضاها للآخرين، فإذا كان الإنسان العاقل مسلماً ملتزماً بتعاليم دينه كان من أشد الناس بعداً عن الإساءة وبغضاً لها، وتوبة منها وندماً عليها إذا وقعت منه، فكيف إذا كانت تلك الإساءة إعاقة لإنسان غافل، أو قتلاً له؟؟ إنها تتحوَّل في هذه الحالة إلى جريمة، وكبيرة من الكبائر، وهذا ما يفرُّ من ارتكابه العاقل فراره من الأسد.
وحتى نحدِّد ملامح هذا الموضوع الخطير الذي يمكن أن يصبح به الإنسان منَّا قاتلاً، أو معتدياً على غيره بدون حق، نستذكر حديثاً نبوياً شريفاً يحدِّد لنا المسار أورده البخاري - رحمه الله - في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق» ورواه مسلم في صحيحه، وهذا الحديث الشريف يذكرنا بالحديث الآخر الذي وردت فيه قصَّةٌ هي التي أوحت إليَّ بعنوان هذه المقالة، تقول القصة:
اغتسل سهل بن حنيف - رضي الله عنه - فنزع جبّته، وعامر بن ربيعة - رضي الله عنه - ينظر، وكان رجلاً أبيض حسن الجلد، فقال له عامر: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، فوُعِكَ سهل بن حنيف، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «علام يقتل أحدكم أخاه؟ أَلَا برَّكْتَ؟ إنَّ العينَ حقٌ، تَوَضَّأْ لأخيك».
«علام يقتل أحدكم أخاه؟» سؤال واضح يدلُّ على خطورة موضوع العين، التي هي حقٌ كما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وعلى خُطورة الأمر بالنسبة إلى العائن الذي يمكن أن يقتل أخاه أو صديقه أو أقرب الناس إليه حينما يسرف في إعجابه به أو بشأن من شؤونه سواء أكان مادياً أم معنوياً وينساق وراءَ نفسه المعجبة بذلك الشأن متلفّظاً ببعض العبارات التي تنطلق كشواظٍ من النَّار قد يكون سبباً في إزهاق نفسٍ بريئةٍ بدون حق.
وفي كلام عامر بن ربيعة أنموذجٌ لسهام العين القاتلة التي يطلقها الإنسان أحياناً دون قصد فتصيب هَدَفاً كما فعلت كلمات ربيعة بسهل بن حنيف، ولهذا كان سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم واضحاً صريحاً محمَّلاً بالتحذير من هذا الأمر الخطير «علام يقتل أحدكم أخاه؟»، فالمسألة هنا خطيرة، ربما تؤدي إلى القتل، وقبل أن يتبادر إلى أذهاننا سؤال يقول: وماذا نصنع، ما دمنا لا نشعر بهذا الأمر الخطير، يبادر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «ألا بركت؟» ليكون هذا السؤال عن عدم التبريك، جواباً عن ذلك السؤال الذي تبادر إلى الذهن.
نعم: ألا قلت لمّا أعجبك جسم أخيك سهل: ما شاء الله تبارك الله، حتى تطفئ بهذه الكلمة جذوة تلك العين الملتهبة.
إن جواب سؤالنا «من الذي يرضى أن يكون قاتلاً؟» هو - بلا شك - لا أحد منَّا يرضى أن يكون قاتلاً، وما دام الأمر كذلك فلنتق الله في أنفسنا والناس من حولنا، ولتكن ألسنتنا رطبة بذكر الله، وقلوبنا مطمئنة بالرضا والقناعة، حتى لا ننضم إلى فئة من يرتكبون جريمة الاعتداء على الأبرياء والغافلين ونحن لا نشعر، كما يجب ألا نبخل - إذا أعجبنا من قريب أو حبيب شيء - أن نقول: ما شاء الله، تبارك الله.
إنَّ القصص الحقيقية في أثر العين كثيرة، وهي - بالاستقراء - معروفة ظاهرة عند جميع الأمم والمجتمعات في أنحاء العالم، وليست محصورة في ثقافتنا نحن المسلمين كما يظن بعض من لا يتورَّعون عن إِنكار أثر العين التي ورد بإثباتها الحديث الصحيح.
إشارة: قال تعالى في سورة الكهف: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}