السعودة، وأقصد سعودة الوظائف، حيث يتم تحوير متطلبات ووصف مهام وبيئة عمل وأجر الوظيفة لتوائم شغلها بمواطن سعودي مؤهل قادر على شغلها، وهذا يمثل المرحلة الأولى من السعودة، يتلوها مرحلة ثانية تتمثل في البحث والاختيار للموظف السعودي الملائم ليحل محل شاغلها الأجنبي في حال كونها مشغولة بأجنبي، والمرحلة الثالثة تكمن في عملية إبقاء الموظف السعودي ليشغل هذه الوظيفة المدة التي تناسب عملية النمو في قدراته على تولي وظيفة أكثر مردودا في قيمتها المضافة، لذا يجدر أن ننظر للسعودة على أنها عملية تغيير مؤثرة في بيئة العمل تستلزم دراسة وتخطيطا لعدد من المعطيات حتى تكون النتيجة عملا مثمرا في صالح المنظمة والمواطن والاقتصاد الوطني بشموله، من هذه المعطيات الهامة هي القيمة المضافة للوظيفة.
من البديهي أن العمل بحد ذاته ليس الهدف من الوظيفة، فالهدف هو ما ينتج عن هذا العمل، والعمل بدون ناتج هو عبثية وهدر للموارد والوقت، والناتج من العمل إما سلعة أو خدمة يكون واضح المعالم، ذلك عندما توكل عملية الإنتاج برمتها لوظيفة محددة، ولكن الأعمال في المنظمات الكبيرة متعددة ومتخصصة ومحصورة بنطاقات ضيقة وعلى اختلافها فهي في منظومة متكاملة ومتضافرة تحقق منتجات ملموسة بها تحصل المنظمة على العائد من نشاطاتها، لذا وللتعبير عن دور كل وظيفة في المنظمة يستخدم تعبير القيمة المضافة، وهو القيمة الجزئية التي يضيفها شاغل الوظيفة لتضاف للقيمة النهائية لمنتج المنظمة، والقيمة المضافة ليست قيمة معيارية محددة بل هي قيمة تقديرية تحدد من خلال القياس المقارن، فمن الصعوبة بمكان حساب القيمة المضافة لكل وظيفة بصورة دقيقة، ولكن مع التقدم في تخطيط وتوثيق إجراءات العمل وخصوصاً عندما يحكمها نظم آلية يصبح حساب القيمة المضافة للوظيفة أكثر فاعلية، واعتماد حساب القيمة المضافة للوظيفة يحقق عدالة داخلية للمنظمة وهو أحد أركان الرضا الوظيفي، فغياب معيار قياسي لأهمية الوظيفة في المنظمة يجعل المنظمة تعتمد على معطيات العرض والطلب في سوق العمل لتحديد الأجور، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً للسعودة في ظل كون استقدام العمالة الأجنبية يمثل العامل الموازن للعرض والطلب في سوق العمل وهو ما سيجعل معيارية الأجور تتحدد في المستقبل على مدى الحافز للأجنبي للقدوم والعمل في المملكة ضمن ظروف ومتطلبات العمل وليس على حافز المواطن على الالتحاق بالعمل، هذه الميكانيكية في العرض والطلب هي ما أدت وستستمر في خلق بطالة نوعية في سوق العمل السعودي تتركز بين المواطنين على الرغم من كون الاقتصاد الوطني يضيف فرص عمل جديدة كل عام.
إن العمل على تبني معيارية القيمة المضافة للوظائف في تحديد الأجور سيكون خطوة جيدة في سبيل دعم السعودة، ولتوضيح أكثر، على وزارة العمل أن تبدأ منذ الآن في تأسيس مركز أبحاث العمل والذي سيكون من منتجاته جداول معيارية للقيمة المضافة مدمجة بنظام وطني للوصف الوظيفي على غرار النظام الأمريكي المعروف (O*net)، ثم تلزم مؤسسات القطاع الخاص بالالتزام بتلك المعايير وتطوير نظم داخلية تنسجم مع ذلك النظام الوطني، فلا شك أن وضع هذا التنظيم يحتاج وقتاً وموارد كافية ليكون موضع التنفيذ، ولكنه بداية صحيحة نحو معالجة موضوع السعودة بموضوعية.