هناك أكثر من ثلاثين جامعة بين حكومية وأهلية منتشرة في أنحاء المملكة، يتعلم فيها الطالبات والطلاب في المملكة. وهناك أكثر من 80 ألف طالبة وطالب يتلقون تعليمهم خارج المملكة حسب برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي. والسؤال الملح الذي يفرضه السياق ولم أجد أحدا يهتم بالإجابة عليه: هذا الكم الهائل من الطالبات والطلاب عندما يتخرجون هل سوق العمل في المملكة قادرة على استيعابهم؟
المُخيف أن إحصاءات وزارة العمل المعلنة تقول: (إن المتوسط الشهري للأجور في القطاع الخاص انخفض بنسبة 26 في المائة خلال عام 2009م، ليصل، وفقا للبيانات الرسمية لوزارة العمل إلى أقل من 1000 ريال، مقارنة بـ1353 ريالا لعام 2008م. وبينت الإحصائية أن الأجر الشهري للذكور سجل انخفاضا لعام 2009 لما دون 1000 ريال، وبنسبة تصل إلى 27 في المائة، أما الأجر الشهري للإناث فقد وصل إلى 1657 ريالا للشهر، مسجلة انخفاضا بمقدار 11 في المائة مقارنة مع العام الذي سبقه). هذه المؤشرات (الرسمية)، إذا ما أخذناها بعين الاعتبار، فإن مستقبل سوق العمل بالنسبة للسعوديين لا يُطمئن البتة؛ بل إن الشهادة العلمية التي كانت في السابق أماناً من الفقر، ستصبح مجرد (وريقة) لا تسمن ولا تغني من جوع. فمتوسط الأجر الشهري بالنسبة للذكور والإناث حسب وزارة العمل في منتهى التدني، ولا يمكن أن يُلبي احتياجات المعيشة في المملكة بأي شكل من الأشكال؛ هذا فضلاً عن أن الاقتصاد في المملكة يعتمد اعتمادا شبه كلي على العمالة الأجنبية، ومن أجل أن تحل العمالة السعودية محل الأجانب، فالشهادة والتأهيل العلمي لا يكفي، وإنما يحتاج هذا الإحلال إلى أن يكتسب الخريج إضافة إلى (التأهيل العلمي) خبرة (عملية)، والخبرة تحتاج إلى أن يجد المتخرج حديثاً قنوات في سوق العمل يتمكن من خلالها من التأهل العملي والتدريب، وهذا ما يعتبر حسب معطيات سوق العمل الحالي غير متاح، وإن وجد فهو في أضيق نطاق، بسبب تدني الطلب على العمالة السعودية، وكثرة الباحثين عن أعمال من السعوديين؛ فالطلب على العمالة السعودية - على ندرته - هو (فقط) على المتعلم وصاحب الخبرة العملية، وليس من لا يملك إلا تأهيلاً علمياً فحسب. ومن جهة أخرى فإن أصحاب رؤوس الأموال العاملين في السوق سيبحثون عن العمالة الرخيصة والمؤهلة بأية طريقة، حتى وإن اضطروا إلى التحايل لجلب هذه العمالة من الخارج، والضحية في النتيجة هو المواطن.
القضية متشابكة، ومُعقدة، وخطيرة، وتنذر - بصراحة - بمستقبل غير مضيء بالنسبة للشباب السعوديين ذكوراً وإناثاً، ولا أرى أن هناك من اهتمامات المؤسسات المعنية ما يتواكب مع خطورة هذه القضية؛ وليس لدي أدنى شك أن قضية البطالة ستشهد في السنوات القادمة تفاقماً خطيراً حسب هذه الأرقام الإحصائية؛ وما لم نعمل بكل ما أوتينا من قوة وجهد على (حلحلتها) على أمل حلها، فإن العواقب ستكون وخيمة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. نعم ليس ثمة حلاً سحرياً على طريقة كن فيكون؛ إنما لا بد من أن نعمل منذ الآن على وضع (برنامج) عملي وحازم لاحتواء هذه المشكلة، حتى وإن كلفنا تطبيقه بعض التنازلات والآلام على المستوى القصير؛ فحلول مثل هذه المشاكل عادة ما تكون (مؤلمة) وتتطلب صبراً وزمناً وتحملاً؛ وإلا فلننتظر من المشكل الاقتصادية، وبالتالي الاجتماعية، وكذلك الأمنية، ما سوف يكون له أعمق الأثر على الاستقرار في البلاد.
إلى اللقاء.