كتب - عبدالعزيز صالح العسكر - ص1
في خمسمائة وخمس وسبعين صفحة صدر كتاب قيم بعنوان (عبد الرحمن بن عثمان الجاسر) سيرته وخطبه وشعره. جمعه ورتبه الدكتور عبد الرحمن بن ناصر الداغري، وصدرت طبعته الأولى هذه في عام 1426هـ.
وقد تضمن الكتاب ما كتب أو قيل عن الشيخ نثراً وشعرا وهو ما كتبه الشيخ رحمه الله بقلمه أو كتبه زملاء الشيخ وأصدقاؤه أو أبناؤه وتلاميذه وأولاده.
كما تضمن الكتاب ثبتاً بخطب الشيخ التي ألقاها في الجمع والأعياد وغيرها، وذلك أنّه ظل خطيباً لمدة تزيد على ثلاثة عشر عاماً. وألقى خطباً قوية جميلة مؤثرة كان أكثرها مكتوباً وهو ما تضمَّنه الكتاب.. وبعضها كان ارتجالاً لم يرون من قبل الشيخ أو غيره.
ففي جامع الملك عبدالعزيز في وسط الدلم كان الشيخ خطيب الجامع الذي يمتلئ بالمصلين الذين يأتون من أنحاء البلد محبين للشيخ ومؤثرين على غيره لسعة علمه وفقهه وبلاغته وصدقه ووضوح أسلوبه وعرضه.
وقد حوى الكتاب ثمانين خطبة منها أربع للعيدين وثلاث للاستسقاء والبقية خطب الجمعة ومن عناوين خطب الجمعة:
1 - الحياء
2 - بيان حكم عيد المولد.
3 - التجارة الرابحة.
4 - فضل عمارة المساجد.
وجاءت الخطب جميعها في 312 صفحة من الكتاب.
وبعد الخطب أود المؤلف الشعر؛ وفيه أثبت ما وجده من قصائد الشيخ رحمه الله وقد بلغت خمساً وخمسين قصيدة.. وبعضها كان معارضة لقصائد شعراء من أبناء الشيخ وزملائه وأصدقائه ورسائل إلى أولئك وغيرهم. يقول الدكتور الداغري: ((شيخنا رحمه الله مغرم بالشعر؛ قراءة واستماعاً وترديداً فلا تقع عينه على قصيدة إلا وحرص على
ص2
قراءتها وتأملها، وإذا سمع الشعر أنصت، وكثيراً ما يطلب منَّا في لقاءاتنا البرية قصيدة من كتاب أو مجلة ويحرص على سماع القصائد المسجلة... كما أنه رحمه الله يكثر من ترديد الشعر في أحاديثه حسب المناسبة والمقام.. ويضيف الداغري: وفي أنشطة المعهد كان يشجع المواهب الشعرية، ويحرص على تقديمها، وتقويتها، فشيخنا أديب محب للأدب شعره ونثره)) ص 449.
وموضوعات شعره وأغراضه كثيرة ولكنها في الغالب لا تخرج عن الوصف والرثاء والمدح لمن يستحقه، وما حواه الكتاب ليس هو كل شعر الشيخ - كما ذكر مؤلف الكتاب - ولكننا لم نجد شعره في شبابه أو شيئا من شعره سوى ما جمعه ابنه عبد العزيز.
ومن أجمل شعر الشيخ هذه الأبيات بعنوان: خيال على ساحل البحر الأحمر:
ريح الشمال تداعب الأمواجا
فتسوقها نحو الحمى أفواجا
فالبحر متعة ناظري إن أقبلت
والشمس ترسل نورها وهاجا
والأنس يجمع شملنا في سفحه
والشعر يرسم لو حتى منهاجا
والنفس يملؤها سرور غامر
حول السواحل والهوى سهاجا
شمس الأصيل على السواحل نزهةٌ
تعطي الخيال من الهموم علاجا
وفي مقطوعة تنبض بالصدق والقوة والجمال يخاطب الشيخ رحمه الله ابنه عثمان أصغر أبنائه فيقول:
عثمان يا قمر الزمان وشمسه
في ناظري َّ ومسمعي كالفرقد
ولدي وحبك في الفوائد ممكَّنٌ
أرسى من الطود الأشم الجلمد
أنت الصغير وللصغير مكانه
في الحب في عطف الأبوة واليد
أنت الصغير، وحب إخوتك الألى
سبقوك في قلبي كما في المولد
وجميع أولادي كخيط مبرم
أو حلقة أو معصم فوق اليد
فالله يحفظ دينهم وسلوكهم
من كل شائنة تسيء ومفسد
ص 3
أما الوطن فقد وهبه شيخنا - رحمه الله - حبه ومودته وعبَّر عن ذلك تعبيراً صادقاً صريحاً.. وكل شعره يوحي بذلك ويؤكده ؛ ولكن قصيدته (وطنيتي) كان تاج ذلك الحب وبرهانه القوي العميق وجاءت القصيدة في ثلاثة وعشرين بيتاً يحتار من يعرض لها فيما يختار منها، ولعلي أكون موفقاً حينما أختار هذه الأبيات:
الشعر يعجز عن بيان مرادي
لكن يعبر عن شعور فؤادي
حب العذارى في الرجال سجية
وسجيتي في الحب حب بلادي
وطنيتي طبعي نشأت بحبها
كرم الأصول وموطن الأجداد
لا تعجبوا مما أقول فإنني
أهب البلاد محبتي وودادي
أرض ولدت بها فكان ترابها
منذ الطفولة مرقدي ووسادي
عمرت مرابعها بكل فضيلة
فلها سأبذل مهجتي وجهادي
يا نهضة شملت مرابع دولة
مع عهد رائدها على ميعاد
بلدي وأنت اليوم أعبق بقعة
خضراء تجذب توقة الرواد
هذا الربيع تفتحت أزهاره
وشذا الورود اليانعات ينادي
وفي قصيدة لا تحتاج إلى تقديم لأنها تقدم نفسها وتشرح معانيها وتبسط غرضها أمام القارئ بقدر لا تحتاج معه إلى تقديم.. يقول شيخنا:
أقمت بأمريكا من الوقت برهة
على هامش الآلام والهم والفكر
أكابد آلامي وأجمع ما أرى
فأدهش أحيانا وأعجب من أمري
ألاحظ ما يجري بأمواج عالم
من البشر الأعمى عن الحق والخير
رأيت من الأخلاق والصدق والوفا
وما كان مفروضاً على أمة الطهر
تمنيت أنَّ الدين كان قوامها
وأن عفاف النفس من واقع السير
ولكنني آسى وآسف أن أرى
شمائل دين يرتديها ذوو الكفر
وبعض بني قومي على الدين ملة
وأخلاقهم تفضي إلى كتمة الصدر
فجور وزور واحتيال وفرقة
أنانية عميا تسوق إلى الغدر
فيا أمة الإسلام عودوا لدينكم
فطابعه الأخلاق في العسر واليسر
ص 4
وكان الشيخ قد سافر إلى أمريكا - مضطراً - للعلاج.. وكان يحذر من السفر للخارج وينصح بتركه إذ يقول:
يا من تسافر عن بلادك راغباً
تستبدل الأدنى بكل جدير
أنا لا أصدق أن يسافر عاقل
لهوى النفوس ورغبة التبذير
لا سيما إن كان وجهة دربه
تلك البلاد مواطن التنصير
لا يسمعون مؤذناً أو قارئاً
أو يسمعون مواعظ التبصير
ونصيحتي أن لا يسافر جاهل
أو فاسد أو قاصر التفكير
بل طالب للعلم يرغب ميزة
أو لاضطرار واضح التفسير
والشيخ عبد الرحمن الجاسر أبٌ وشيخ وقدوة لمؤلف الكتاب ولكاتب هذه السطور، ولذلك لا عجب أن نعنى بنثره ونظمه وندعو له سراً وعلانية.. والمؤرخون يقولون عن عمر بن خطاب رضي الله عنه: (إنَّه أتعب من بعده) وشيخنا أتعب من بعده في المعهد العلمي في الدلم وفي غيره من الأعمال التي كان يشغلها. وكان عرينه الذي منه تنطلق جهوده وعطاؤه للدلم وأهلها هو المعهد العلمي وفيه يقول:
حيُّوا الشباب وحيوا معهد الدلم
منارة العلم والأخلاق والقيم
كم من شباب تربَّى في مرابعه
على الفضيلة والأخلاق والشيم
تعاقبوا زمراً من بعدها زمرٌ
على مناهله كالعقد منتظم
أوفى ثلاثين عاماً في رسالته
صنع الرجال ونشر العلم في الأمم
(وكان تاريخ القصيدة 15-7-1415هـ) أما الآن فقد وصل عمر المعهد إلى ثمانية وأربعين عاماً.
هذا هو الشيخ عبد الرحمن بن عثمان الجاسر.. وهو كما ذكر مؤلف الكتاب:
1 - مدير المعهد العلمي في الدلم من عام 1390هـ حتى عام 1417هـ.
2 - خطيب الجامع الكبير بالدلم من عام 1399هـ حتى عام 1415هـ.
3 - مندوب الدعوة في الدلم من عام 1416هـ حتى وفاته.
4 - المشاركة في التوعية الإسلامية في الحج في كل موسم من عام 1402هـ.
ص 5
- شاعر الدلم ومفتيها - بتفويض من الشيخ عبد العزيز بن باز - والمصلح بين أهلها في المنازعات والخصومات.
وعلاوة على ذلك كله فقد كان للشيخ أياد بيضاء في مشاريع عديدة في الدلم دعماً لمسيرتها ومطالبة بتوسعتها وتأييداً لجهود العاملين فيها فكم جاءه من طالب للرأي منحه رأياً صائباً وكم استشاره من مواطن أشار إليه وعليه بأجمل فكرة وأصوب تصرف.. أما مع ولاة الأمر فكان محباً ناصحاً مرحباً بهم في قدومهم شاكراً لهم على جهودهم.. ووثائق ذلك كثيرة في شعره وفي ما تلقاه من خطابات الشكر والتقدير غفر الله لشيخنا ورحمه رحمةً واسعة وجزى مؤلف الكتاب الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن ناصر الداغري خير الجزاء على وفائه وبره وجود نفسه بجمع الكتاب ومراجعته وتهيئته للطبع وحفظ الله أبناء الشيخ ونفعهم بسيرته وعلمه وأثابهم على برهم به حيا وميتا.
وإني لأرى أن الكتاب ما زال بحاجة إلى مزيد من الاهتمام في إضافة ما بقي من سيرة الشيخ العلمية والعملية وذكريات من رافقوه في مسيرته العلمية والعملية ثم الدراسة لشعره ونثره دراسة أدبية تاريخية - وإلى ذلك أشار مؤلف الكتاب - فعسى الله أن يهيئ لتلك المهمة وذلك الشرف من ينهض به.