أصبح منهج مادة التربية الفنية الذي تم إقراره هذا العام مثار جدل بين مدرسي المادة، فمنهم من يراه بتقدير مقبول، والبعض لا يرى فيه جديدا يوازي الواقع المعاصر لهذه المادة وما طرأ على أسلوب تعليم النشء والاستفادة من أهدافها بما يتلاءم مع الحياة الحديثة، والبعض منقسم بين قبوله مكرها وبين من لا يعيره اهتماما، وقد (سمعت) أن المنهج لا يتضمن أي إشارة إلى الارتقاء بمفهوم العمل الفني وذائقة الطلاب والطالبات الذين يشكلون جيلا جديدا سيخرج للعمل وللحياة بعد تحصيله العلمي بما فيه النظرة للفنون التي تختص بها هذه المادة، ومن المؤسف أنني ومن قبلي ممن تلقوا دروسا في هذه المادة في مختلف مراحل الدراسة مع تجربتي كمختص ومعلم لها أو مساهم في تنظيم معارضها على مدى أربعين عاما لم أجد تبدلا أو تطورا لهذه المادة سوى في الأنشطة والمعارض والمسابقات أو المشاركات دون أي تركيز على نتائج فهم الطلبة للهدف من إقرارها ضمن بقية المواد، وعندما أعلن أوأقر هذا المنهج لم يجد فيه المعلمون كما قال لي المخضرمون ممن عاشوا مراحل بعيدة في تدريس المادة ولحقوا بما هي عليه الآن أي جديد في المنهج سوى تحديد مواضيع ووصف لكيفية تنفيذ بعض الأعمال وتقسيم لما يقدم في حصة الرسم وفي حصة الأشغال حتى أن أحد المعلمين اندهش من إدراج أدوات لتنفيذ بعض الأعمال اليدوية لا يمكن القبول بها في المرحلة المتوسطة فكيف يوصي بها في الصف الرابع الابتدائي ومنها (المشارط) وهي أداة حادة خطرة يتم بها تفريغ الورق إضافة إلى أدوات الحفر على الخشب أو الألواح اللدنة (اللاينو) لم يسلم منها الكبار فكيف بالأطفال.
ومع تقديرنا لمن قام على المنهج إلا أننا بحاجة إلى ارتقاء بذائقة المجتمع المدرسي لينعكس على سلوكهم لا أن تبقى مادة التربية الفنية حصة للتسلية والترفيه أو تلقي التدريب في المهارات مع ما يصاحبها من (الأخطار) التي تؤذي الطالب أو الطالبة، بل لتكون مادة جادة تحقق بجانب اكتساب المهارات تحقيق أهدافها الوجدانية، ليصبح لدينا مجتمع يعي الجمال ويحترمه ويحافظ عليه بكل أشكاله التي يراها في حياته اليومية، وهناك سبل كثيرة في كيفية مزج طحين التوعية بسمن الأهداف.
نريد اكتشاف موهوبين مبدعين ونأمل أن نرى احتراما من الناشئة بجمال رقي الأخلاق في سلوكهم مع زملائهم وبمحيطهم والحفاظ عليه ابتداء من صفوفهم وغرف دراستهم مرورا ببهو مدرستهم وصولا إلى منازلهم وأحيائهم نتيجة ما تعلموه من رؤية حضارية راقية لا نظرة قاصرة تبدأ بعبارة (ارسموا ما تريدون) وانتهاء بجمع ما أنتجوه خلال العام ورميه أمام أعينهم في حاويات الزبالة يرون فيها وأداً لإبداعهم وإساءة له.
أما الجانب الآخر الأكثر إيلاما فهو في كيفية تطبيق هذا المنهج الذي لم يجد فيه المعلمون إلا تنظيرا ووصفا وشرحا لكيفية تنفيذ أعمال لا يمكن تنفيذها إلا بمراسم وأستوديوهات مخصصة لهذه المادة تفتقر لها أكبر المدارس فكيف بالمدارس المستأجرة، هذا الواقع يدفعنا للسؤال.. كيف يطبق المعلم ما جاء في المنهج في وقت لا يجد فيه المكان المناسب لأعمال الخزف والنسيج أو الكولاج إلى آخر منظومة الأعمال التي تبقي وراءها الكثير من المخلفات إضافة إلى أن المنهج أصبح قالبا محدودا لا يمكن للمعلم تجاوز ما جاء فيه وقد يعتذر عن تطبيقه لعدم وجود الخامات والأدوات والمكان المناسب.
كنت آمل أن تحل مشكلة مادة التربية الفنية وما تواجهه من إهمال وتهميش من غالبية مديري المدارس قبل أن تطبع هذه الكمية من المنهج، وكنت أحلم أن أرى كتيبا صغيرا مع كل طالب وطالبة يحمل مفاتيح الارتقاء بالذائقة وتعريفهم بما تؤول إليه هذه المادة من مكانه وقيمة اجتماعية من خلال تبيان ما تحقق لمن قبلهم من المبدعين من موقع قدم في الساحة التشكيلية أحد روافد ثقافة الوطن بمعارض ومساهمات محلية وعالمية، وكنت أتوقع إرفاق استبانه لمعرفة رأي المعلمين ليستفيد منها المؤلف أو المعد للمنهج، وسيجد الكثير.. الكثير.. منها.