المطلوب هو انتزاع يوم الخميس من فكي العمل الأسبوعية، لأنه ولكثير منا أصبح يوم عمل آخر يضاف إلى الخمسة أيام الأخرى.. وأنا هنا لا أكتب عن تحويل الإجازة الأسبوعية من الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت أسوة بباقي دول الخليج العربي وكثير من الدول الإسلامية..
وما أقصده هو أننا كأفراد بالدرجة الأولى - ومؤسسات ثانياً - يجب أن نحصر أوقات عملنا في أوقات دواماتنا الرسمية..
الأسرة بطبيعة الحال تتضرر، والعائلة الكبيرة تتضرر كذلك من انسلاخ يوم آخر مثل الخميس من الإجازة الأسبوعية.. ونعلم أن لبعضنا كذلك انسلاخ كامل من الإجازة الأسبوعية بما فيها يوم الجمعة، وتصبح أيام الأسبوع سواسية.. وهذا يذكرني بأيام العمل أيام الثورة الفرنسية حيث كانت عشرة أيام عمل، ويليها يوم واحد فقط كإجازة..
ومفهوم الإجازة الأسبوعية لم يتبلور تماماً للأسرة السعودية، ولم تتولد صناعات سياحية تستوعب هذه الإجازة وتبني لها برامجها ونشاطاتها.. ويعلم الجميع أن مفهوم الإجازة الأسبوعية weekend هو شيء مقدس لدى المجتمعات الغربية، ولا يمكن المساس به بأي حال من الأحوال.. فهو حق للفرد، وحق للأسرة.. وكل شيء خاص بالعمل ينتظر إلى مطلع الأسبوع.. حتى الرئيس الأمريكي بعد ظهر كل يوم جمعة يغادر بطائرته أمام أنظار عدسات الصحافة والتلفزة العالمية متجهاً في إجازته الأسبوعية إلى كامب ديفيد.. وغيره كثير من رؤساء مجالس كبرى الشركات العالمية التي يفوق تأثيرها أحياناً دولاً بكاملها.. الجميع لديه نهاية أسبوع للراحة والاستجمام..
والمشكلة التي نعاني منها سببها أننا إما أن نؤجل كثيراً من الأعمال إلى يوم الخميس أو أننا نستمتع بيوم خميس عمل.. وفي كلتا الحالتين يكون الخميس ضحية لهذه الفتوى الفردية التي يضعها الواحد على نفسه.. ونصبح تدرجياً نشعر أن الخميس هو يوم العمل الحقيقي، بحجة الهدوء والراحة، والمراجعة المتأنية لكل أعمالنا..
وبعد انقضاء الخميس أحياناً يفكر الفرد منا أن يحضر بعض الأعمال التي لم يكملها إلى المنزل ليقتص من يوم آخر هو يوم الجمعة.. كما أن مشكلة أخرى تواجهنا وهي أننا حتى في أيام أسبوع العمل العادية نعود مساء إلى مكاتبنا ومقار أعمالنا بحجة أن كلاً منا لديه عمل يستكمله أو تقرير يكتبه أو بحث ينهيه لمنسوبي التعليم والجامعات.. وهذا يقلص ساعات الراحة، ويقضي على أوقات الأسرة والحياة الخاصة..
وقد كانت اليابان تخضع لنظام ستة أيام عمل أسبوعية مع السبت بنصف دوام، ولكن تم تغييره إلى نظام الخمسة أيام عمل.. ويفرح الجميع بآخر أيام العمل الأسبوعية وهي أيام الجمع بالنسبة لكثير من دول العالم، أو أيام الأربعاء كما هي بالنسبة لنا في المملكة. حتى أطفال المدارس لدينا يفضلون يوم الأربعاء لأنه يوم انفكاكهم من الدراسة وهموم المدرسة. ويشتهر في الولايات المتحدة مثل يجسد هذه الفكرة (شكر لله.. فاليوم هو يوم الجمعة).. كما أن اليابانيين يسمون يوم الجمعة باليوم الوردي كناية عن حبهم له..
وكما ذكرت سابقاً، فإننا نفتقد إلى صناعة الترفيه في عطل نهاية الأسبوع في بلادنا.. كما عمل عليه الغرب وانتشر في دول أخرى.. فهناك طاقة استيعابية كاملة لكل المشروعات السياحية التي تعمل بشكل أكبر في عطل نهاية الأسبوع. فهناك اثنان وخمسون عطلة أسبوعية تستنفر فيها كل المؤسسات الترفيهية والاقتصادية من أجل أن تحقق هدف توفير هذه الخدمات المتكاملة في نهاية كل أسبوع..
أما الإعلام وبخاصة في المجتمعات الغربية فقد قسم الأسبوع إلى قسمين، قسم أيام العمل، وقسم نهاية الأسبوع، وبنا في هيكليته البرامجية فصلاً كاملاً في هذين القسمين. فبرامج التلفزة اليومية تختلف عن برامج التلفزة في عطل نهاية الأسبوع.. كما أن المؤسسات الرياضية جميعها تقريباً تضع ثقلها الرياضي في نهاية الأسبوع لأن جميع أفراد الأسرة مجتمعون أمام شاشة التلفزيون على سبيل المثال.. أما نحن فبرامجنا وصحفنا تسوء في عطل نهاية الأسبوع، وحتى إذا كانت هناك مادة إعلامية مميزة للصحيفة تتخطى بها الخميس والجمعة وتقذف بها إلى السبت وما يليه إيماناً منهم بعدم أهمية هذين اليومين.. وكرست مؤسسات الإعلان هذا المفهوم بنشرها لإعلاناتها الدورية في أيام ما بين السبت والأربعاء..
وأخيراً، فمشكلة ضغط العمل تصب دائماً في خانة عدم تنظيم أوقات العمل، ولو قدر لشخص أن يقيم الوقت الذي يضيع منه سدى لأمكنه أن يختصر أيام العمل إلى أربعة، والبعض قد يختصر إلى يوم واحد إذا قيست إنتاجيته بدقة وبمهنية. والدولة لا تستطيع أن تفرض أشياء في هذا الجانب، ولكنها تظل مسؤولية الفرد والمؤسسة التي يعمل بها. فنحن بحاجة إلى إعادة ترتيب جداول العمل ووضع هيكلة جديدة لها من أجل الأسرة الصغيرة التي نعيش معها..
* المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود