** الرؤيةُ تحتاج إلى مسافة؛ فالأفق غيرُ النفق، وحين تنعكس وجوهُنا على جدول ماء فإنها تعكس صورةً «هلامية» تمتد في العمق ولا تجسد السطح، وفي المرآة نقيضٌ لما يرى الظاهر ولا يكشف الباطن، ولأننا معنيون بما نستطيع تمييزَه فللشكل الخارجي حضور سلطوي يوقفنا عند قراءة العناوين.
** كذا تجيءُ محاكماتُنا وتصدر أحكامنا؛ فإعلانٌ يجتذبنا وإعلامٌ يوهمنا، وإذ لهما ما يضادهما تحولت حواراتُنا إلى الأبعاد الحدية بين فريقين عشيا بالضوء القريب فما نفذا عبره أو انفكا من وهجه ليتأملا اللوحة من أول الممر كما يصنع زائرو «الجيوكندا» في متحف «اللُوفْرْ».
** وبأمثلةٍ مقاربة وربما مقربة، كان حجُ صاحبكم في عام 1407هـ، وهو عام شهد أحداثًا داميةً من كسرويين متعصبين؛ فتتالت أسئلة الأهل عن الحال مع كل اتصال، ولم تكن أسئلةً عابرة، لكننا لم نفهمها في حينها؛ فلا جوالات أو شبكات أو فضائيات، حتى إذا انفض السامر عرفنا كيف كان راؤو الصورة عن بعدٍ قلقين، ونحن بداخلها مطمئنون، وهو ما تكرر بعد ثلاثة أعوام «في أميركا»؛ فكنا نواجَه باستفهامات عن حياتنا وسط «أزمة الخليج»، وما دروا أننا كنا في استراحاتنا غيرَ معنيين أو نكاد، ثم تحولنا - مع الاعتياد - إلى أصدقاء لأصوات الارتطامات الفضائية، وفي صيف هذا العام بلبنان (2010م) لم يؤرقنا سوى خوفِ المتفرجين خلف الشاشات، وكنا وسط الأحداث فلم ندرِ عن بعضها ولم نأبهْ بها كلها.
** من الذي لا يرى: أهو الواقفُ بعيدًا أم الساكن قريبًا، وهل يغشى البصرُ أم البصيرة؟ والإجابة: كلاهما إذا انفردا بالترائي والإثبات، وهو ما يعني اجتزاء الحكم؛ فلا نحن حين لم ندرك أبعاد مشكلات «الفرس» و»غزو الكويت» و»طائفية الميليشيات» ولا هم حين تضخمت الصورة حد امتلاء المنافذ بتفاصيلها.
** هكذا نحن حين نفترق في مزادات الشعارات والمشاعر، ويدعو بعضُنا بالويل لهلاك الأمة مما يرى فيه بعضٌ نجاتها؛ فتأخذ قضية الاختلاط مسارين متصادمين بين من يرونه النهاية ومن يحسبونه المبتدأ، وكذا بين من يجزمون بأن وجود اسمٍ «ما» على غلاف مقرر صفٍ دراسي مصيبةٌ ومن يظنونه صائبا، فكلا الفريقين يُطل من كوةٍ على فِناء ولا يرى ما خلف الأسوار لالتزامه بأدلجة الجماعة ومصالحها واجتهاد الذات واقتناعاتها.
** المنظرُ الشامل يؤكد أن خلافاتِنا بلا معنى أمام المد الكسروي والجبروت القيصري، وسنؤكل جميعا وسط حروب المصالح التي تلفُّنا من جميع الجهات ونحن ننتظر صافرة التوازن الأممي معلنةً تقاسم المنطقة بين إمبراطوريتي فارس والروم، وسنبقى في معادلة الإلهاء والاستقواء في بحث غير مجدٍ عن الحقيقة والزيف في قضايا مجتمعيةٍ يسيرة بدلاً من قراءة الموقع والتوقع في اللعبة الدولية الخطرة وصراع الأساطيل.
** «أسفر الصبح لذي عينين»؛ فلا مقاومةَ ولا بطولة ولا أبطال، ومهما افترقنا فنحن أقرب لبعضنا من أولئك المنتشين بالتاج المعمم؛ من فقدوا عروبتهم واستدبروا عربهم، وباتوا بانتظار الآيات والرايات تعلو المنابر والمنائر.
** قالها صاحبكُم ويعيدها: ستقود المرأة السيارة وتُفتح صالات السينما وتعمل المرأة وتتعدد المناهج؛ فالزمن يقود التغيير بشكل سريع ولا يدَ قادرةٌ على إيقافه، لتبقى نظرية «التربة والتربية» مسؤولةً عن كيفية ترتيبه، أما جحافل الغازين فلا حول إلا بوعي وسعي ووحدة.