يزداد ركض الإعلام وكتَّابه لاكتشاف واقع الممارسات اليومية، في شؤون تنفيذ الأنظمة، وتطبيقات القوانين، والعمل بموجب ما خُطِّط، أو أنشئ، أو ظهر على سطح المستجَد، أو وقف في واجهة القائم، وتنبثقُ من ذلك موضوعات ما لابدَ منه، وما يجب أن يكون، وما لا يُعقل فيه، أو لا يُقبل له, فيما تمّ إنجازه، وقصُر عن استيفائه، أو غُفل عنه, وتأثرت متعلقاته، أو استُهتر به, فخسرت أهدافُه, أو لاقى ماليس يستحقه, فبولغ في تفاصيله، أو أُغفِل عمَّا يستحقُّ, فعجز عن تمامه،...وغالباً تخضع المعايير في تصنيف ذلك لآراء فردية، يتبناها كلُّ من يكتشفُ فيكتبُ، أو يكتبُ وهو يرى، أو يرى فلا يشاركه إلا من ينظرُ بمنظاره،..
والكتابة عن أيِ موضوع.., إن لم تأت من عالم بأمرها، أو مضطلع في شأنها، أو ملمٍّ بتفاصيلها.., تكون مجرد ومضة سراب.., حتى إذا ما اقترب منها القارئ، ذهبت تتكلّفُ بإبصاره.., تتلاشى برأيه، فيذهب يهرفُ فيها, بما لا يعرف عنها، أو يتبنَّى، ما رماه له من لمعة الماء كاتبه الذي يقرأ...
كلُّ موضوع يُرمى فيه القولُ على عواهن الفرد, الآحادي من الرأي، قابلٌ للقياس والعرض على محك الحقيقة، والنتيجة, فهناك من يُضفي من خبراته، ومعارفه لما يكتب عنه، وفي شأنه، وهذا النوع من الكتَاب لا يقول ما لا يعرف، لذا تأتي كتاباتُه مصدرا ملهما للأفكار، مَعينا للمسار، مرجعا للرأي, هؤلاء ليسوا يلقون لمعة الماء في مدى البصر، بل يؤسسون جذرَ النبتةِ في تربة البناء, ومنهم من يقول ما يقولون، أو يقول ما لا يسمعون، تأتي في تعاطيف ما يكتب مبالغاتٌ, وهرفٌ، بقدر ما تتضخم في ذاته قدرةٌ وهميةٌ يتوسمها فيها، وهؤلاء عالةٌ على الناشر والنشر، عبءٌ على القارئ والمطبوعة، فهم يكبِّدون الحقيقةَ ما يقلل من شأن مطبوعتهم، ويُخسرون أن يأخذوا بها لشفافية الرأي، ومصداقية المرجع..
وهناك موضوعات تلحُّ بها حاجة الوقت، هذا الذي تنحدر فيه ذائقةُ الجمال لدرك الضحالةِ, والكآبةِ، والعتمةِ، في النفوس والعقولِ, يحتاج إليهم القارئ ليفسحوا فضاءاتها له، ويقطفوا له من حدائق الأدب والجمال، والذوق, والفضيلة، والتطهر، والتسامي زهورا جفَ نبعُ ماءِ الوقتِ بها، فتهافت الناس على يباب... هؤلاء أين...؟