برنامج الابتعاث مشروع استثماري عظيم يهون من أجل عوائده ما يبذل فيه من جهد إنساني وكلفة مادية، وكيف لا وهو مشروع يستثمر في العقل السعودي. مشروع الابتعاث هو جزء من منظومة مشاريع الآمال والطموحات التي تنظر إليها عينا وقلب الملك القوي الأمين الذي عاهد ربه ووطنه وشعبه على أن يرقى ببلاد لا إله إلا الله وشعبها ليصبحوا تاجاً على رأس الأمم.
وهذا المشروع غني عن التعريف بإستراتجيته وأهميته في بناء وطن متطور يبدأ من حيث انتهت الأمم، ليكون غنياً بذاته لا بغيره. لذا فهذا المقال هو تساؤل من مواطن رأى صورتين متغايرتين في طريقة الإدارة الداخلية لهذا المشروع العظيم، إحداهما قمة في المرونة الإدارية من أجل تقديم الأفضل للوطن، والأخرى جامدة قُدمت فيها البيروقراطية. ورفد هذا المشروع بالتساؤل عن نقطة رمادية في الصورة البيضاء للقائمين عليه هو واجب وطني، ثم هم بعد ذلك أعلم وأخبر بشئونهم، فإخلاص العاملين فيه وجهدهم هو حديث المجتمع السعودي فاستحقوا الحمد والشكر، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
برنامج الإلحاق بالبعثة له شروطه العامة المنطقية التي تشمل الجميع، كما له أعرافه غير المكتوبة التي تستثني الطالب السعودي من بعض الشروط إذا أتى بقبول من أرقى جامعات العالم التي يندر، إن لم يُعدم، أن ترى سعودياً فيها. وقد وقفت بنفسي على استثناءين من معالي وزير التعليم ومعالي نائبه لطالبين حصلا على قبول في مرحلة البكالوريوس من جامعة هارفرد ومن ثالث جامعة في أمريكا في تخصص التقنية المعلوماتية.
هذا المعنى من الإدارة العليا في تقديم الأفضل يدركه بروح الوطنية الصادقة مدير برنامج الإلحاق الدكتور الفاضل صالح السيحيباني واللجنة الموقرة القائمة على تقرير الموافقة على الإلحاق. فلا يأتيه طالب قد حصل على قبول في إحدى هذه الجامعات التي تحتل المراكز الأولى بين الجامعات العالمية إلا ويستقبله كمن ظفر بصيد ثمين للوطن وينهي إجراءات عرضه على اللجنة في يوم واحد. وأخبرني طالب من هؤلاء أن الدكتور صالح قد ودعه بعيون مليئة بمعاني الأبوة مشدداً عليه أن لا يرجع إلا بالدكتوراه، وهو لا يعرف الطالب إلا بتميزه ولا توجد أي توصية أو علاقة به على الإطلاق، إلا توصية الوطن وعلاقة الحب فيه. ويجب أن لا يُغفل عن صبر الدكتور وجهده ووقته الذي يبذله في إرضاء وإقناع المواطن الذي لا يشمله الإلحاق نظاماً أو عرفاً، وهذه الأخلاق الرفيعة مُشتهرة عن الدكتور فهو غني عن الشهادة له.
وهناك نموذج على النقيض بيروقراطي في برنامج الابتعاث. طبيبة سعودية (حاصلة على مرتبة الشرف عند تخرجها من الجامعة، وكانت الأولى بين أقرانها في جميع الاختبارات التحريرية أثناء تحصليها لدرجة الزمالة السعودية) قدمت أوراقها إلكترونياً لبرنامج الابتعاث وتم قبولها، ثم التبس عليها -بحكم عملها- التاريخ الهجري بالميلادي اللذين تشابها في تلك الفترة فتأخرت عن موعد مطابقة المعلومات بأسبوع فقط، فحُرمت من البرنامج. وشرحت الطبيبة الملابسات بالمعاريض، وحاول زوجها إقناع مدير برنامج الابتعاث، الدكتور ماجد الحربي، بأن يُنظر فقط إلى مؤهلاتها فإن كانت الأفضل فتقدم ويغفر لها هذا اللبس وإلا فلا. فكان الرفض التام دون محاولة السماع فضلاً عن النظر في حالة طبيبة سعودية متميزة ومتفوقة يحتاجها الوطن.. والسؤال: ما هو الداعي لتعيين مدير ابتعاث إن كان الذي يدير القبول برنامج كمبيوتر. نعم الاستثناءات تثير الشائعات وتفتح باباً للواسطة والتجاوزات ولا شك أن هناك مشاكل حول هذا يُراد التحكم بها في برنامج الابتعاث ولكن ضبطها لا يكون بحرمان الوطن من الكفاءات، وإنما يكون عن طريق كتابة أسباب الاستثناء المنطقية المقنعة.
رواية الطبيبة هي عن طريق زوجها والتي أعتقد صحتها، وعموماً فإن مما سكت عنه أن من يتصدى لخدمة المواطنين يجب أن يقدر الحالات الاستثنائية التي ستمر عليه ويصبر عليها وعلى الناس وأن يكون تصرفه تجاهها من أجل مصلحة الوطن، ولا يرهبه أن تظهر عنه شائعة أو تخيفه مسائلة طالما أن لديه الحيثيات والمسوغات التي توثق لتبرير الاستثناء، فهذا عمله المرجو منه وإلا فلا داعي للمدير ويُكتفى بمراقب فني لنتائج الكمبيوتر.