لا أعلم سبباً لقرار وزارة التربية والتعليم بتطعيم تلميذات الصف الأول في الأيام التالية للأسبوع التمهيدي مباشرة! وما تتعرّض له الصغيرات من حالة هلع شديدة بسبب إبرة التطعيم البغيضة، وهو ما يهدم خطط المدرسة في إنجاح الأسبوع التمهيدي، وترسيخ الطمأنينة في نفوس التلميذات بانسيابية عبر انتقالهن من دفء البيت لصخب المدرسة ومتطلباتها الثقيلة ومشاعر الغربة والخوف! وهذا لا ينفي جهود بعض المدارس في إتمام عملية التطعيم بصورة هادئة ولطيفة وتهيئة التلميذات لها، وهو المتوقع والمطلوب. وتتحمل إدارة المدرسة مسؤولية هذا الدور الإنساني التربوي. فليس أشق على النفس من ذكريات الطفولة المريرة، لاسيما إذا رافقتها إبرة طويلة تحقن بيد ممرضة متوحشة.
فما يؤسف له أن بعض ممرضات المراكز الصحية اللاتي يسند لهن تطعيم تلميذات الصف الأول في المدارس الابتدائية ليس لديهن أدنى علم بمقومات خصائص المرحلة العمرية، وما يكتنف تلك المرحلة من حساسية وما تتطلبه من تعامل إنساني وأسلوب تربوي بالغ الدقة، حيث تختزن في هذه المرحلة من العمر جميع التجارب والذكريات الجميلة والسيئة في الذاكرة الغضة. ولا شك أن التجربة السيئة تبقى محفورة في الذاكرة ولا يمكن نسيانها مع مرور الزمن. ولعلكم تتذكرون حوادث السنوات الأولى من التعليم بالتحديد أكثر من السنوات التالية لها.
أقول ذلك بسبب حصول حادثة في إحدى المدارس الابتدائية في شرق الرياض بعد حضور طاقم طبي من مركز الحي الصحي القريب من المدرسة، وقيام إحدى الممرضات بغرز إبرة التطعيم في عضد تلميذة صغيرة دون تهيئة سابقة لها، أو توضيح للهدف من التطعيم وفوائده وأهميته للصحة. وقد كانت نتيجة ذلك التصرف سيئة على التلميذة البريئة، وهو ما جعلها تقفز من الوجع، وتلجأ للمقاومة بتحريك يدها بألم، دون أن تأبه تلك الممرضة لبكائها، أو تكترث لصراخها، أو ترحم ضعفها أو تقدِّر موقفها وقلة حيلتها، فتبادر بسحب الإبرة من يدها. وما يؤلم أن ذلك الحدث تم على مشهد من زميلاتها البريئات! فشاركنها الوجع والبكاء والوجل. ولم تُترك للمرشدة الطلابية فرصة التخفيف من مشاعر التوتر والقلق لدى التلميذة وزميلاتها بحكم دورها التربوي ومهنتها الإنسانية وقربها من التلميذات؛ حيث نهرتها الممرضة وواجهتها بسيل من السب والتهميش، ولم تبالِ المرشدة الطلابية بطياش أسهم الاستصغار حيث حضنت الصغيرة وراحت تهدئ من روعها وتداعب شعرها حتى شعرت بالأمن والطمأنينة ومن ثم سُحبت الإبرة بانسيابية وسكون! بينما راحت الممرضة تدافع عن دورها الذي اعتادت أن تقوم به منذ سنوات دونما توجيه نقد لها أو احتجاج عليها من إدارات المدارس! وبحجة أنها جاءت للقيام بالعمل المكلفة به، فيلزم احترامها، ويجب تسهيل مهمتها، ويحتم ضيافتها، ويفترض شكرها وتوديعها عند خروجها!
وبعيداً عما حصل من جدل قد يكون معتاداً بين طرفين مختلفين في الأسلوب والثقافة؛ يبقى الحدث الأهم وهو رسوخ ذكريات يوم مدرسي سيئ وكئيب في نفوس التلميذات؛ مما يجدر بوزارة التربية والتعليم التخلي عن مهمة التطعيم للأسرة التي يفترض أن تكون قد وصلت لمرحلة من الوعي بأهميته للأطفال خلافاً للفكر السابق، كما يستوجب تدخل وكالة وزارة الصحة لشؤون التمريض بالتدقيق في اختيار الممرضات المكلفات بتطعيم تلميذات المدارس، وضرورة التعامل معهن بإنسانية وبأسلوب تربوي يليق بهن، ويتناسب مع مكانة المدرسة كونها معقلاً للتعليم وثغراً للتربية ومرفأ للأمن، ومرسى للطمأنينة، وليس معتقلاً يمارس فيه العنف، ومكاناً تزاول فيه الوحشية من لدن بعض من يطلق عليهن تجاوزاً ملائكة الرحمة! وحري بهن أن يكن بشرا، بكثير من الإنسانية وبوافر من الحنان والأمان!