في أول لقاء بعد افتراق تملؤنا ابتسامة التحية بتبادل الفرح.
عدت أهدل كيمامة استجابت لإغراءات العش بعد إغواءات الأفق..
وللعودة مذاق يروي العطش..
مثل «فاختة» عربية زرقاء الريش حطت على شجرة وارفة واعدة الظلال بعد أن أتعبها خفق السفر نحو جزر مجهولة..
ثم دعتها الآفاق فطارت تحوم نحو عش موعود.
كنت أطل على شواطئ هذه الجزيرة ذات يوم..
وها أنا أعود إلى الجزيرة من جديد مبتسمة القلب محملة بالكلام..
الكلام المباح..
والكلام الصراح..
والكلام الذي سيلاحقه السائلون أين جاء وراح؟
أخالني ما زلت محظوظة بتدفق اللغة الشاعرة..
وما زلت محظوظة بصفاء عيني «زرقاء» التي احتفظت بتفاؤلها حين أحبط الآخرون..
ومحظوظة بالأعزاء والأحباء الذين ظلوا يذكّرونني بمتعة الحوار ويحاولون إقناعي بالعودة إلى ساحة العزف بالكلمات.
كنت أتأمل عن بُعد حلكة التقوقع المتزايدة وصخب نزاعات الحروب واشتعالات الأطماع.
وظللت قادرة على أن أرى القادم الأجمل حتماً.. وأن أسمع صوت الشاعرة في أعماقي تضفر قصائد التفاؤل وتراهن على المستقبل.. مصرة على أن أتشبث بوميض يرسم مستقبلاً جميلاً يغانج أحلامي ويبقي بصيرتي حادة الإصرار تنقب عن جذوة تبقي الأمل متوقداً.. في حين يبكيني ترمد جيل كامل تحت وطأة كوابيس التجهيل.. وتكميم من يرى لوجوده ووجودنا هدفا غير انتظار الموت أو استعجاله.
***
سمعت الرجل العظيم الجميل النبيل يكرر: لا تفقدوا الأمل «وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» و»لسوف يعطيك ربك فترضى»
كل الكلام عن شعلة المستقبل الواعد لا عن رسوم الماضي المترمد ولا يباس الحاضر المتبدد.
***
كنت أعرف أن لن يصح في النهاية إلا الصحيح.
وأن أفق الغد هو ما يجب أن نركز عليه النظر وليس تراكمات الأمس.
أمسنا جميل بمثالياته ورومانسياته، ولكنه ليس واقعاً يعاش اليوم في تسابق العالم نحو امتطاء التقنية في فضاء العلم والمخترعات!!
من يحاول أن يستعيد الأمس يرتطم بحقيقة لا مراء فيها: أن المومياءات لا تعود إلى عنفوان الحياة.
وأننا - أو غيرنا - لا نستعيد باسترجاعها إلا قراءة تاريخ كان مجيداً ولكنه أمسى ذكريات..
حقاً هو الآن عصر الكمبيوتر والآيباد والخلايا الجذعية لا عصر الهيروغلوفية وأخواتها ولا ألواح الطين ولا حتى آخر العلاج الكي.
***
سألني كثيرون لماذا توقفت عن الكتابة؟
باختياري - قلت -.. وباختياري قد أعود!
يتوقف الأمر على المواسم..
مر موسم السنوات العجاف. لم ألجأ إلى كهف بل وقفت أرقب سيول الغبار تتنامى وتزمجر.. قررت أن أبتعد عن دور مفسرة الكوابيس وأسباب القحط وانتشار الجراد الذي يأكل عقول الصغار ووعي الكبار.
قلت أنتظر المطر..
ثم أمطرت بعد جفاف شديد.. وغسل العقلاء منا أعينهم واستعاد بعض من ضلوا منا بصيرتهم..
وأشرقت أحلام براعم ورؤية بعيدة المدى..
حين جاء سهيل أمس بموسم الحصاد قررت أن أحتفل!!
وإنه لموسم يستحق الاحتفاء مع أحبتي..
وسأحتفي بتحليق أجنحة الأسئلة.. وأحتفي بتأمل التماع احتمالات الأجوبة.. وسأحتفي بزرقة الأفق حين تشق بروق الأشعة تحديات مرحلة الظلام.
وأستمتع بالعبور إلى مرحلة الفجر الذي ابتدأ يضيء معلناً حيوية الكلام ومصيرية العمل وإشراقة الأمل..
سنتحاور لا كما تحاورنا من قبل بل أفضل..
هو موسم الحوار الجميل مع أحبة لم أنسهم..
جئت لنقتسم معاً ما قاوم كمامات الصمت وأشرع بوابات وشرفات الحوار: الحوار الفكري.. الحوار الوطني.. الحوار المتسامح.. الحوار المنفتح.. الحوار الحضاري.
***
استجبت لنداءات المطالبة بالمشاركة في بناء القادم.
سمعت فيها صدى صوتي ويقيني أن قارئي الأول ينتظر عودتي على مضض.عدت، والعود أحمد.. أطل على شواطئ المستقبل من شرفات الجزيرة.