(بالفعل أنا الآن اجتاز بوابة القطار الأرضي لأصل إلى الشارع الذي يسكن في مبنى على جانبه الأيمن ابني، إذ كنت قد زرته هنا في أيامه الأولى التي جاء فيها إلى هنا للدراسة، ثم هاهي الأيام يا صديقتي تتسارع وتنطوي وقد تخرج، ودعاني لحضور حفل المناسبة)...
وتواصل صديقتي مكتوبها تقول: (بمجرد أن وصلت تذكرتك, وأنت تودِّعينني تطلبين أن أطمئنك بوصولي، وصلت سالمة، أحلق بفرحتي, لكنني أجرُّ شريطا طويلا فيه أحمد كان جنينا في جوفي، وصوته الهزيل يبكي ألما اعترى رئتيه، منذ استنشق أول هواء صافحته به الدنيا، وركضي من مصحة لأخرى في ليال مخيفة، ونهارات مظلمة، ويسترسل ندائي المبحوح, أستنجد أطباءه ولم أكن أنام الليالي الشتائية، رحمة به وشفقة من أنينه، أحمد الليلة عريس الكلية التي ستسلمه شهادة الطب، سيكون بجوار أمهات مثلي)...
وتواصل: (كنت دوما ساجدة بين يدي الرحمن أسأله ثم أطيل الشكر, أجل أجل سوف ألتقط لك تذكارا لدمعي الذي لا أدري كيف سأوقفه الليلة.. الآن سأودع الرسالة هذه في بريدك وأتفرغ لأحمد)...
تخيلتكِ الآن نجاة، لستِ ممن يجرؤ على السفر الطويل، ولستِ ممن يستطيع تحمل مفاجآته، أو وعثائه، لكن قلبكِ حملك، أخذ عنكِ الوجل والرهق, ومنحكِ الانتظار والفرح، ذات يوم قال أحدهم: (أبناؤنا أكبادنا تمشي على الأرض)، لكنهم حين اجتيازهم أياً من بوابات الحياة، يكونون هم وقود القلوب التي تخرج من صدورنا، وتتحول مراكبنا التي تقلنا, حيث أرواحهم تنطق، فتبسط لنا تفاصيل خطواتنا, في دروب الأمومة، ويتوجوننا بأجنحة، تحمل وهن خوفنا، ورجفة قلقنا، فتحيلها لتراتيل دعاء، وبهجات فرح..
تخيلتك الآن تركضين خارج ذاتك لتلتحمي بداخلها، بينك وبين فلذتك أحمد
حبل من نور.. بورك لك أحمد بلسمك وتاجك، ولكما صدق الدعاء نجاة.