حين أقرأ أو أستمع إلى المماحكات التي تبثها الفضائيات وتنشرها الصحف عن بعض القضايا الهامشية كقيادة المرأة للسيارة والاختلاط وسماع الأغاني وغيرها من القضايا الثانوية, أشعر بالضيق، وأسأل: هل داوينا كل مواجعنا وقضايانا؛ ولم يعد لدينا همّاً آخر إلا قيادة المرأة للسيارة وسماع الموسيقى والردود على الفتاوى الغرائبية؟ ينسى هؤلاء قضايا مستقبلية خطيرة ومصيرية لا ينبغي السكوت عنها، وما لم نضع لها الخطط والاستراتيجيات والدراسات العلمية الصادقة والدقيقة فإن مستقبل بلادنا ومستقبل الأجيال القادمة سيكون صعباًَ ومجهولاً. وسأمر على التحديات التي تواجه مستقبلنا بشكل سريع. ولعل التحدي الأول يكمن في البترول، فالمعروف أن حالة الازدهار والنماء الذي نعيشه عائد بعد توفيق الله وإخلاص ولاة الأمر إلى عائدات هذه الثروة النفطية؛ وبديهيا فإن البترول مادة قابلة للنضوب؛ أوهي ناضبة فعلاً على المدى القصير أو الطويل، وكثير من الدول المتقدمة التي لا تملك هذه المادة الحيوية تسارع الخطى في سبيل اكتشاف بديل للطاقة البترولية، إذن فالهبة الإلهية التي منحنا الله إياها، وشكلت مرتكزاً مفصلياً لمعيشتنا وحياتنا مادة «ناضبة» وغير دائمة، وأي هزة تتعرض لها هذه المادة كفيلة بقلب حياتنا رأساً على عقب؛ من هنا كان لزاماً علينا التعامل مع هذه الحقيقة المخيفة ووضع الاستراتيجيات المناسبة والتي لا أظنها خافية على ولاة الأمر لمواجهتها عوضا عن ترك ذلك للزمن كإيجاد مصادر دخل أخرى تخفف العبء عن هذه المادة الحيوية وتقلل من حالة الاعتماد الكلي عليها. التحدي الثاني, يكمن في (الماء) فبلادنا كما هو معروف تعد من أفقر دول العالم في الموارد المائية؛ فلا أنهار جارية، ولا أمطار دائمة، واعتمادنا على المياه المحلاة مرتفع التكلفة وهو قائم على افتراض أن القوة المالية لدينا ستظل قوية، كما أن المياه الجوفية لا تسد الحاجة بل إن الكثير من الآبار نضب ماؤها، وجفّ نبعها مما ترتب على ذلك موت الكثير من المزروعات، لذا فإن الدراسات والحلول الواقعية لمواجهة هذه الحالة التي بدأت تطل برأسها بات مطلباً ضرورياً وملحاً. التحدي الثالث.. الزيادة السكانية المهولة؛ إذ تعتبر المملكة من أكثر دول تكاثراً في المواليد قياساً بنسبة السكان فلا يكاد يبزغ فجر يوم جديد حتى يطل علينا آلاف المواليد الجدد، وبالطبع فان كل (فم جديد) في حاجة إلى رعاية ومتطلبات، مما سيضيف عبئاً جديداً على المؤسسات الخدمية المختلفة؛ وأظنه حان الوقت لإصدار تشريع ينظم حالة (التكاثر الأرنبي) الذي نعيشه؛ فليس من المعقول أن يقترن الرجل بأكثر من امرأة وينجب عشرات الأطفال وهو لا يملك ما يقيه شر الحاجة، وبالكاد يتدبر أمر معيشته. التحدي الأخير، مواجهة البطالة التي داهمتنا على حين غرة ودون أن نكون مهيئين لاستقبالها بعد أن ظللتنا خطط الوزارات الخمسينية المختلفة في العقود الماضية والتي أثبتت فشلها الذريع؛ أقول لكم : لو كان لدينا خطط علمية حقيقية وصادقة، ومخرجات تعليم ناجحة لما فاجأتنا حمى البطالة، بحيث رأينا عشرات الآلاف من شبابنا المؤهل يذرعون شوارع المدن بحثاً عن فرصة عمل تحقق لهم أدنى متطلبات الحياة، وما لم نوجد حلاً لهذه المشكلة فإن علينا أن نواجه تبعاتها المؤلمة، فحق العمل حق طبيعي وليس منّة من أحد. هي هذه التحديات التي ينبغي أن نطرحها؛ أما قيادة المرأة للسيارة، والاختلاط، وسماع الأغاني، وحكم حلق اللحى وغيرها فلا تعدو عن أن تكون من الأمور الثانوية. احلقوا «سكسوكتي» وأعطوني خططاً ودراسات مستقبلية تطمنني على مستقبل أطفالي والأجيال القادم، هو ذا مطلبنا لا غير، حمى الله بلادنا من كل سوء.
