إذا كانت مسئولية صاحب العمل هي توفير فرص توظيف، فإن مسئولية طالب الوظيفة تهيئة نفسه ليلائمها، هذه معادلة بسيطة في تعبيرها، ولكنها مضّمنة مفاهيم جوهرية ومتعددة، فالمسئولية بحد ذاتها هي التزام بتحمل عبء مادي أومعنوي يقود لضرر في حال التخلي عنه، ولكن هل كل من يتحمل المسئولية يدركها من خلال هذا المفهوم ؟، وهل الضررحتمي في حال التخلي ؟، وهل التخلي عملية اختيارية يفاضل فيها بين الضرر والمكتسب من التخلي ؟. إن الإجابة عن هذه الأسئلة يقود لإدراك المفاهيم الأساسية في تكريس معنى المسئولية، والمسئولية في العلاقة الوظيفية أساسية يقوم عليها قيم أخرىكالثقة والولاء والعدل والتحفيز وهذه القيم هي دعائم العلاقة الوظيفية السليمة.
عندما أتحدث عن مسئولية صاحب العمل في توفير فرص توظيف، فلا أقصر ذلك على حقيقة عرض فرصة عمل لطالب وظيفة، إن مسئولية صاحب العمل هي في شقين، الشق الأول يتمثل في الالتزام بخلق حاجة حقيقية للعمل المنتج المثمر الذي يحقق قيمة مضافة للمنظمة، وعلى ما يبدو من بديهية في الأمر، إلا أن خلق الحاجة للعمل يتطلب إجراء عملية منهجية نظمية، بها يتم تحليل مخرجات المنظمة وتحديد المدخلات وعملية المعالجة، وكذلك آلية المراجعة والتحسين المستمر، وهذا يتم بصورة كلية لنشاط المنظمة، وبصورة جزئية للنشاطات الفرعية، والشق الثاني هوفي الالتزام بخلق نظام صيانة لعملية خلق الحاجة للعمل، فيتم وضع أنظمة ولوائح وأساليب تجعل من عملية خلق الحاجة للعمل عملية مستدامة التطوير والتحسين، هذا الالتزام بشقيه سيقود المنظمة لتبني نظم توظيف وإدارة موارد بشرية - يطلق عليها حديثاً رأس المال البشري - عالية الكفاءة وسيحتم عليها الالتزام بمعايير محددة للتوظيف والتحفيز والإبقاء والتسريح بحيث تتحقق عدالة داخلية بين الموظفين، ومعايير أخرى للبحث عن الكفاءات والاستقطاب وتبني نظام أجور ومكافآت يحقق منافسة خارجية، تحمي المنظمة من فقدان موظفيها ويجعلها محل الخيار الأول لطالبي الوظائف المتميزين. وواقع المنظمة السعودية فيما يخص الالتزام بهذه المسئولية، أقل مما يجب، لذا نجد كثيرا من تلك المنظمات تعاني تحديات في تحقيق قيمة مضافة مجزية للاستثمار .
ولا يثار حديث حول سعودة الوظائف، إلا ويكون أحد محاوره الشكوى من التدني النسبي في كفاءة المستجدين من طالبي الوظائف من السعوديين، وتتوزع التهم في ذلك بين مؤسسات التأهيل التعليمي والتدريبي من الجامعات والمعاهد والخريجين آنفسهم، وكثير يرى في ذلك حجة الحق الذي اريد به باطل، فبات النغم المفضل عند من لا يريد توظيف السعوديين، وحيث إن المسئولية في هذا الموضوع كرة تتقاذفها الأيدي، ولابد أن تستقر عند من يتحملها، لا أجد أجدر من يحملها سوى الخريج نفسه، فهوحين يطلب الوظيفة يقدم كفاءته لذلك الاستحقاق وليس الشهادة، فصاحب العمل لايكسب من حقيقة لكون طالب الوظيفة خريج يحمل شهادة في أي شأن، إنه يكسب مما يبذله من تقانة لعمل منتج. ولا جدارة لطالب وظيفة لايقدم سوى شهادة جوفاء في أن يمنح فرصة الاولى بها من لديه القدرة على تحقيق متطلباتها إن كثيرا من طالبي الوظائف لديهم مفهوم غير صحيح حول الأحقية في العمل، فهم يعتقدون ان الشهادة من مرفق تعليم معتمد هي كل ما يحتاجونه للحصول على العمل، دون اهتمام بالمكتسب المعرفي والمهاري، ويفشل معظمهم فشلا ذريعا في أومقابلة شخصية، لذا فإن مسئولية التأهيل للوظيفة واكتساب الكفاءة لشغلها هي مسئولية لايتحملها أحد سوى طالب الوظيفة نفسه، ولوأدرك ذلك مبكراً في تعليمه لبذل الجهد الجهيد في التعلم وأصر على اكتساب المهارة اللازمة، وكما أن مسئولية التأهل للوظيفة هي مسئولية صاحبها، فكذلك الترقي خلال العمل، حيث لا حجة لمن يدعي أن صاحب العمل مطالب بتدريب وتأهيل الموظفين وهم في حل من تلك المسؤلية، فأصحاب الأعمال لا يستثمرون في تطوير المستجدين في العمل في أي مكان في العالم سوى عندنا، ومع ذلك وخلال العمل يجتهدون للتعرف على ذوي المهارات والمعارف الخاصة والمتميزين، فيستثمرون بقدراتهم استثماراً استراتيجياً. لذا على الموظف النبيه أن يرسم لنفسه مسارا وظيفيا يحقق طموحه، وعليه أن ينتقي ممن يتعلم، ويبحث عن اكتساب المهارات والمعارف التي تؤهله للترقي، هؤلا فقط من الموظفين الذين يحققون لأنفسهم المجد والطموح، أما من يتكل على العلاقات الشخصية وينتظر من المنظمة أن تستثمر بتطوير قدراته، فإن انتظاره في معظم الحالات سيطول كثيراً، وماهي الا سنون بسيطة ويجد نفسه في تحدي البقاء في الوظيفة ناهيك عن الترقي لغيرها.
ان استشعار المسئولية تجاه العمل والتأهل له، هوقيمة يجب أن تزرع في نفوس الطلاب منذ المرحلة الابتدائية، ففي بلدان متقدمة، هناك برامج منهجية لغرس تلك القيم، والتشديد عليها وجعلها من أهم القيم الانسانية التي تدفع الإنسان الى الاعتزاز بالنفس والاعتماد على الذات، ونحن في بلادنا ما أحوجنا لغرس المسئولية تجاه الذات، فالكل يعلم الى أي مدى بلغ الاستهتار لدى كثير من الشباب، ليس في الإهمال في التأهل للعمل فقط بل في الأمور الحياتية بصورة شاملة.
