سعادة الأستاذ خالد بن حمد المالك - وفقه الله -
رئيس تحرير صحيفة الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد اطلعت على ما نشر في جريدتكم بعددها رقم (13873) المؤرخ في 13-10-1431هـ تحت عنوان (هل نحتاج إلى كل هذه المناشط) بقلم تركي العسيري، فوجدته مقالاً فيه من التحامل والمغالطة والنيل من جهة حكومية تحمل على عاتقها أمانة حمل رسالة الإسلام وتبليغ دعوة الله في الداخل والخارج وفق منهج هذه الدولة المباركة القائمة على الكتاب والسنّة، وجميع أعمالها ومناشطها تسير وفق خطة مدروسة مبنية على ذلك المنهج، ويقوم بها دعاة من أهل الاختصاص يُختارون بعناية عند ترشيحهم للقيام بهذه المهام، وقد أثمرت أعمالهم هذه ثماراً طيبة - ولله الحمد - يقدّرها ولاة أمر هذه البلاد قبل غيرهم وهذه منّة من الله.
ثم إني أجيب عن سؤاله الذي استهل به مقالته وسأل نفسه به هل نعاني فعلاً من أميّة دينية إلى هذا الحد، والجواب: (لا)، وهذا نتيجة لجهود قامت بها هذه الدولة من تعليم نظامي وغيره من وسائل نشر العلم مما يحصل به رفع الجهل عن الناس، وهي تسعى إلى الكمال فما المانع.
وليسأل الكاتب نفسه سؤالاً آخر (ما الضير من هذه الجهود التي تقوم عليها جهة حكومية موثوقة؟)، وهذه المواعظ التي يلقيها الدعاة بعد الصلوات لا تستغرق أكثر من عشر دقائق وهي بالخيار لمن أراد أن يستفيد منها وينهل منها أو يذهب لحاجته..
ويُستغرب من الكاتب هذه الحملة الغريبة على هذه المناشط على الرغم من الحاجة الماسة لها مع أهمية تذكير المسلمين بدينهم انطلاقاً من قوله تعالى {وَذَكِّرْ فإن الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} والتذكير نوعان: تذكير بما لم يُعرف تفصيله وتذكير بما هو معلوم لكن تنسحب عليه الغفلة أو النسيان فيحصل التذكير به ويحصل النفع بتوفيق الله.
والعجيب أن الناس يشتكون من قلة المواعظ والمناشط الدعوية لا من كثرتها، ومناطق المملكة كثيرة وواسعة وبحاجة إلى كثرة الدعاة لتتواصل هذه المناشط الدعوية لكي تحصل الثمار المرجوة.
وقد قال الكاتب مستغرباً: (ألا يكفي ما يقوم به خطباء الجمع ووعاظ المساجد) وهذا تناقض، لأن أكثر المناشط الدعوية قائمة على الكلمات والمحاضرات الوعظية التي يحتاج إليها الناس فلم الاعتراض على هذه المناشط إذا كان يطالب بالاكتفاء بها من وجه آخر.
ثم ان بعض هذه المناشط محاضرات أو دروس علمية لابد منها لتعليم الناس أمور دينهم ويحصل فيها تفصيل في الأحكام الشرعية بخلاف الكلمات الوعظية القصيرة، والدروس العلمية لا يحضرها إلا فئة متخصصة قد بذلت نفسها للقيام بهذا الواجب الكفائي فلم الاعتراض؟
أشار الكاتب إلى حاجة المجتمع إلى أهمية المواطنة الحقيقية وتأصيل الحس الوطني في النشء، وهذا الأمر من اهتمامات الوزارة فلها دور واضح بهذا الجانب، فقد عقدت العديد من البرامج والندوات لدعاتها ومنسوبيها حول هذا الموضوع ومنها على سبيل المثال لا الحصر برنامج (التأصيل الشرعي لفقه الانتماء والمواطنة في المملكة العربية السعودية) في عدة مناطق من المملكة قام به مجموعة من العلماء وأساتذة الجامعات وطرحوا فيه كل ما يقوّي حب الوطن والدفاع عنه والاعتزاز به، كما أن لعلماء هذه البلاد ودعاتها دوراً كبيراً في الحماية والذود عن حياض هذا الوطن ودرء الفتن عن شباب هذه البلاد بهذه المناشط وأمثالها.
طالب الكاتب أن يكون الخطاب خطاباً يحمل نبرة التسامح والحوار مع الآخر ونبذ التطرف والغلو والإرهاب، والوزارة لها دور كبير في نشر الخطاب المتسامح والدعوة إلى الاعتدال والوسطية فقد قامت بجهود جبّارة لمحاربة الإرهاب والتطرف وتعزيز الأمن الفكري ونشر الوسطية في المجتمع.
وطالب الكاتب بالانفتاح على الآخر وإحداث التنوع الفكري القائم على تعددية الآراء والأفكار بدلاً من حالة التقوقع والانزواء، وقال: (لا بد من التعايش مع الآخرين بمختلف توجهاتهم الفكرية والدينية والحضارية)، وأقول قد كفل الإسلام حرية الأديان والآراء لكن بضوابطها الشرعية، ويعلم الكاتب وغيره ان هذه البلاد منذ تأسيسها قامت على الكتاب والسنة وتطبيق الشريعة الإسلامية وحماية التوحيد، وأي دعوة تخالف هذا المنهج لا يمكن قبولها.
والمطلوب منا نحن والكاتب وغيره ممن يعتز بدينه حماية الدين والدعوة إليه، ومحاربة الأفكار المخالفة للدين والتحذير منها، والدعوة إلى دحض شبهها بدلاً من الدعوة إلى تقليل المناشط الدعوية والاستغراب من كثرتها.
وأخيراً فإن فتن الشبهات والشهوات قد زادت في هذا الزمان فالواجب أن نكون مدافعين عن ديننا ووطننا، وأن نأخذ بأسباب التقدم والرقي والتطور وفق ما تمليه علينا شريعتنا الغراء، لأننا أمة تعيش على منهج عظيم مصدره كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلنحرص على ثوابتنا وقيمنا، وأن نكون مفاتيح للخير مغاليق للشر، والله ولي التوفيق.
أحمد بن عبد العزيز العليوي