احتفل يوم الجمعة الماضي 15 أكتوبر أكثر من 200 مليون طفل في 80 دولة مع أهليهم وأولياء أمورهم ومعلميهم باليوم العالمي الثالث لغسل اليدين، تصوروا يوماً عالمياً لغسل اليدين، طبعاً أمر غريب وطريف لكنه من الأهمية بمكان، إذ تذكر التقارير الدولية أن ثلاثة ملايين من الصغار يموتون سنوياً بسبب أمراض عدة يمكن الوقاية منها بغسل اليدين، كما تظهر إحدى الدراسات العلمية المتخصصة أن 50% من الأوروبيين الكبار لا يحسنون غسل أيديهم بالشكل الذي يقيهم من الأمراض وانتقال العدوى، ويُصنف هذا السلوك الدولي.. الذي دعت له منظمة الصحة العالمية منذ ثلاث سنوات.. وشاركت فيه هذا العام دول عربية عديدة في خانة الطب الوقائي.. إذ تشير دراسات علمية طبية عديدة إلى أن غسل الأيدي يمنع حدوث قائمة من الأمراض تشمل الإنفلونزا، والتهاب الكبد الوبائي A، وأمراض البرد، والتيفود، والإسهال المعدي، والطفيليات المعوية، وأكثر الفئات المعرضة للعدوى هي: المسنون، ومرضى السكري، والحوامل، والأطفال، وضعيفو المناعة.. واليد كما يذكر المختصون تسمح للميكروبات بالاستيطان بها، وهناك - كما يؤكد الأطباء - أكثر من خمسة ملايين ميكروب على الأقل على يدي كل إنسان، وتستطيع العديد من هذه الميكروبات العيش عليهما عدة ساعات، بالإضافة إلى اختباء الملايين منها تحت الخواتم والأساور وساعات اليد، بالإضافة إلى أن الأيدي المبللة تنشر الميكروبات بنسبة تصل إلى ألف ضعف الأيدي الجافة.. الجميل أن الإسلام قبل أربعة عشر قرناً جعل الطهارة.. وهي أعم وأشمل من النظافة شرط أساس لصحة الصلاة - عامود الإسلام، والعهد الذي بين العبد وربه - والتي تتكرر على المسلم خمس مرات في اليوم، فالوضوء في حقيقته غسل أطراف الجسد التي تباشر عراك الحياة وتمارس الضرب في الأرض بالماء الطاهر النقي الصافي، ليس هذا فقط.. بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهو الذي بُعث في أرض الجزيرة العربية الصحراء القاحلة التي جفت فيها منابع الماء وتفتتت صلابة الأرض فسفت الرمال في وجوه القوم الذين لفحتهم شمس الحجاز الحارقة يؤكد على أصحابه.. وهو يراهم يتوضؤون بوجوب إسباغ الوضوء على المكاره، ويحذرهم من عدم إتمامه على أحسن صورة فيقول: «... ويل للأعقاب من النار، مرتين أو ثلاثاً».. والعقب أدنى القدم ومؤخرته، والويل وادٍ في جهنم، فهل في الدنيا أحد ينظف أطرافه كما نفعل نحن خمس مرات في اليوم، وأين في بيئة صحراوية بدوية!!،
ولو أراد القارئ في النصوص الشرعية التأمل أكثر لوجد الأمر بغسل اليدين ثلاثاً، وألا يضع يده في الإناء إذا قام من النوم قبل أن يغسلها، «وإذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولهن في التراب». في المقابل أمر بأن نحافظ على الماء فلا نسرف أثناء غسل اليدين حتى ولو كنا على نهر جارٍ، وربط تكفير الذنوب وتساقطها بهذه الممارسة المنعوتة بالوضوء وهذا ربط رائع بين الجوانب المعنوية والمادية وبيان علاقة وطيدة بين طهارة الروح ونقاء الجسد.
كنت أتمنى أن تكون لنا مشاركة في هذا اليوم العالمي لنعرض ما لدينا من نصوص واضحة وصريحة في وجوب الاهتمام ليس فقط بغسل اليدين.. بل بغسل جميع أطراف الجسد الظاهرة لعوامل البيئة وظروف الطقس، وفي حالة محددة قد نضطر لغسل الجسد كله بالكيفية الواردة في النصوص المحفوظة في كتب الفقه منذ عصر السلف، كما أن مثل هذه المناسبات العالمية تُذكِّر أبناءنا بأهمية نظافتهم الشخصية.. فالبعض ربما كان جاهلاً.. والآخر ناسياً.. والثالث لا يهتم ويظن الأمر سهلاً، وممارسة غسل اليدين هي كذلك تقلل ميزانية الدولة العلاجية.. ودرهم وقاية كما قيل خير من قنطار علاج، ومثل هذه الاحتفاليات سهلة وميسورة ولا تحتاج سوى تكاتف جهود وزارتي التربية والتعليم والشئون الصحية، ومشاركة الآباء وأولياء الأمور ومردودها سريع وفاعل -بإذن الله-.. وإلى لقاء والسلام.