تلقيت على زاويتي السابقة التي حملت عنوان: (منهج التربية الفنية بين القبول والرفض) ردودا جميلة بجمال وعي وثقافة أصحابها، والحقيقة أنه مهما اختلفت مستويات تلك الثقافة أو الطرح الذي جاء البعض منه جادا والآخر أقرب للدعابة والتعليق المحبب فإننا نظن بهم الظن الحسن، ومنها رد يستحق الوقوف عنده مع ما أتمناه من ألا يكون ما جاء فيه حقيقة، فإن كان كذلك فالمصيبة عظيمة أكبر من أي قصور في المنهج وهو القصور الإيجابي والطبيعي الذي لا يمكن تجاوزه أو ادعاء الكمال فيه، ورضا الناس غاية لا يمكن إدراكها، ولكل عمل جديد ما يقابله من وجهات نظر يتحقق بها سد الثغرات إن وجدت، فالمنهج الذي ألمحنا عنه دون تفصيل أو دراسة يخطو أولى خطواته تجاه وعي وفهم المعلمين وإمكانات المدارس.
أعود للرد الأبرز الذي أشار فيه مرسله إلى أنه أقيمت دورة عن منهج التربية الفنية الجديد في كل إدارات التربية في إحدى المناطق (يمكنكم الرجوع للرد لمعرفتها) تم فيه مناقشة الإيجابيات والسلبيات ولكن الجميل أنه عرض في الدورة صفحة من جريدة الجزيرة وهي صفحة فنون جميلة وتم نقد جميع الرسومات واللوحات فيها قيل أنها لا تعبر عن شيء واضح بل غير مفهوم فكيف يستفيد منها الأطفال؟ وكما قال أحدهم: (ملوا فابتكروا شخابيط جديدة وسموها رسما، يعني الرسامين العالميين، فأين إبداعات الفنانين السعوديين؟) وبقدر اعتزازي بجعل صفحة الفنون الجميلة بالجزيرة مرجعا أو وثيقة للاستشهاد وهو اعتزاز أيضا بمن منحها هذا الشرف، كما هي في كثير من المناسبات والمحاضرات والدراسات ومنها ما تلقيناه قبل فترة ليست قصيرة من قارئة من إحدى دول الخليج تطلب نسخا من الصفحات التشكيلية بالجزيرة لتضمها إلى رسالة ماجستير حول الإعلام التشكيلي.
لكن سعادتي صدمت بالأسلوب أو الوصف الذي ذكره صاحب الرد ونقله عن أحد الحضور في الدورة وهم معلمون مختصصون بالتربية الفنية بأن ما شاهدوه من لوحات عالمية يعد (شخبطة)، وهنا يمكن أن نقول: اقرؤوا على المادة والمنهج السلام إذا كان هذا هو واقع الكثير من معلمي هذه المادة وهذه حدود ثقافتهم الفنية ورؤيتهم للتجارب التشكيلية بأنها شخبطة.
إضافة إلى مفهوم هذه النوعية من المعلمين كما جاء في تعليقهم على اللوحات بأنها (لا تعبر عن شيء واضح بل غير مفهوم فكيف يستفيد منها الأطفال) لأقول لهم إننا لا نعلِّمُ الفن في الصحافة بقدر ما نسعى لإضافة جديد لثقافة المتلقي، فالتعليم مهمة المعلمين، وما يرون أنه (شخابيط) يدل على عدم قدرتهم الوصول إلى أقل مسافات فَهْمِ ماهية الإبداع واستنباط الجمال وصياغة العمل الفني، جازما أن هؤلاء المعلمين أو من هم على شاكلتهم وهم كثيرون جدا.. يرون إبداعات الأطفال في حصة الرسم (شخابيط) ولهذا لا يعيرونها اهتماما أو يبحثون فيها عن موهوب.
الحديث عن التربية الفنية وعالمها وعوالمها لا يمكن أن يكتفى له بمنهج أو تستوعبه زاوية أو صفحة بقدر ما نحن بحاجة إلى أكثر من ذلك، إلى محاضرات وندوات لدراسة أحوالها وما آلت إليه من تراجع، وإلى دورات مكثفة لمعلميها لزرع الإحساس بأهمية تثقيف الناشئة وتوعيتهم بأهمية مادتهم، ولكم أن تسالوا طالبا عن فائدة هذه المادة ولكم أيضا أن تسالوا أقرب معلم للتربية الفنية.
هل قام بزيارة مع طلابه لمعرض تشكيلي.. وهل قام بتحميل برامج أو مقاطع لكيفية الرسم أو تشكيل الخامات من تجارب عالمية تغص بها مواقع الفنون المتخصصة، وهل ربط المعلم ما يقدمه من دروس في هذه المادة بواقع الحياة اليومية، وأن مادته ليست للترفيه والتسلية.
أما الأهم فهو في تأهيل مديري المدارس وتثقيفهم إبداعيا ليتعرفوا عن قرب على ما تعنيه هذه المادة التي اغتصبت غرفها ومراسمها وأعطيت لنشاطات أخرى كتب عليها عبارة (أهلا بكم للفنجال وعلوم الرجال)، أو تقليص وحرمان المادة من ميزانية المقاصف لتصرف على المكاتب الفخمة و(بنرات الدعاية) والإعلان عن أنشطة أخرى..؟.
وهل بحث المعنيون والمعنيات بالمادة مع الطلاب والطالبات ما تحقق من أهداف هذه المادة، أم أن الأمر توقف عند تعاميم المطالبة بالاشتراك في المسابقات والمعارض.
قد يتساءل البعض عن سبب طرحي لهذا الموضوع والذي قبله، واختصارا أقول لهم: (إنني مسكُونٌ بهذه المادة من رأسي إلى أخمص قدمي، تلقيتُها تلميذا.. وتخصصتُ فيها معلما.. ثم أصبحتُ بها فنانا.
وهناك غيري كثير كان لهم حظ كبير مع معلمين لديهم القدرة على اكتشاف المواهب وإمكانات وأماكن (مراسم وستوديوهات مجهزة) يمارسون من خلالها إبداعاتهم المبكرة.
JAZPING: 6461