من المضحك المبكي أنّ الإنسان يقضي على أجمل ما فيه بنفسه
يُقبل على الأطعمة المضرّة بصحته لانتشارها، وسرعة إنجازها, ومناسبتها لوقته المستعجل الضيِّق، وهو يدري خطورتها مع أنها شهيّة..
ويسرف في تعطيل قدراته العقلية، عند استخدام كثير من تقنية العمليات الإحصائية، والحسابية والاستكشافية, والتحليلية، دون أن يتيح فرصاً لقدراته ومهاراته، وهو يعلم تأثيرها في تعطيلها، مع أنه يستهلكها..
ويزج نفسه في ديون القروض, والتقسيط، ويستمتع بإغراءاتها, دون أن يحذر نتائجها، مع أنه يدري بأنها مهلكة..
ويورِّط نفسه، في كثير من السبل من أجل الشهرة، أو المال, أو الأمل في المجهول، وهو مكشوف لنفسه، وربما للآخرين، مع أنها غير آمنة.. وغير مضمونة..
ويحمِّل نفسه فوق طاقتها، في الاستهلاك العام الفردي, مع أنه ليس في حاجة إليه...
ويتهاون في مجاراة المدخنين، - على سبيل التمثيل لا الحصر -, تقليداً لهم، أو جلوساً إليهم, وهو يعلم المعادل الصحِّي، والنفسي، بل الأخلاقي لذلك، مع أنه سلوك عام قد يكون مُمَرَّراً، أو مُبَرَّراً..
ومن المضحك المبكي، أنّ في الوقت ذاته، المربين في العالم الآخر، سبقوا برفض استخدام الطلبة في المدارس، الأجهزة المساعدة في العمليات الحسابية، حرصاً على نشاط العقل البشري فيهم, قبل عقود من الزمن تربو على الثلاثة، منذ أن كانت الآلات الحسابية في تجربتها المبتدئة.. قبل أن تحصد العقولَ، الوسائلُ الإلكترونية، عالية المهارة في أداءاتٍ هي من صميم العقل البشري, وإنْ كانت ذاتها من منجزاته..
وأنهم أول من كافحوا الأغذية السريعة، ومنعوا التدخين، وأرشدوا الفرد بما يحتاج إليه ليكون في صحة عالية، شاملة، عقله وجسده وحياته..,
ومع كل ذلك، نأتي في الأخير دوماً، لنجرِّب ما جرّبوه، وندّعي أننا واعون بمخاطر التجارب، وإن جاءت في المستهلَكات، كأجهزة الهواتف، أو الحاسبات، أو الأغذية، أو التعاملات البنكية، أو الاقتصادية، أو حتى العوادم في الجالس والطرقات، أو ... وأو ...!
لكن، على أية حال، فإنّ الإنسان الذي ينشد الحياة الفاضلة، هو ذاته الذي يصنع خطوة خطوة، وحذوا حذوا، مع ما يسعده ما يشقيه، وما يطيل من فرص حياته في رغد, ما يقضي عليها في المهد..
فابكوا كثيراً...
إنه زمن المضحكات..
لا تفرحوا به، إذ هو ملبَّسٌ بأغلفة, ظاهرها رطبٌ, منعَّم، وباطنها فُوَّهة دمار...