فاصلة:
(تصبح الشجرة أمتن وسط الريح)
- حكمة لاتينية -
قال الإمام الشافعي يرحمه الله:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
فإن قيل في الأسفار همّ وكربة
وتشتيت شمل وارتكاب الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته
بدار هوان بين واش وحاسد
وفي رأيي أن في الغربة المؤقتة كثيراً من الفوائد، من أهمها أنها تمنحك الوقت للتأمل في نفسك أولاً، ومراجعة حسابات حياتك بعيداً عن مؤثرات العاطفة المتعلقة بالأهل والأصدقاء.
في الغربة تستطيع أن تعرف معدن الناس، وتنكشف جميع الأوراق التي تخبأت وراء المصالح أو حتى العواطف الزائفة.
الأقنعة التي يلبسها الناس في الغربة ضعيفة، تنكشف بسهولة؛ فالكاذب والخائن في الغربة تتضح معالمهما أكثر مما تتوقع؛ لأن الغربة محك يكشف عن جوهر الناس.
في بلدك لا تحتاج إلى سند أو كتف تستند إليها أو حتى يد تربت على كتفك؛ لأنك في وطنك تنعم بإحساس داخلي عميق بالأمان، أما في الغربة فأنت تحتاج إلى الكثير، وهنا تنكشف الأقنعة، وتظهر الوجوه على حقيقتها.
تجد في الغربة الأصدقاء الحقيقيين الذين يساندونك، وتجد من كنت تحسبهم غرباء فإذا هم أصدقاء حقيقيون.
لكن ثمة شيئاً دائماً في قلبك مهما ارتحلت عن ديارك ومهما بعدت المسافات بينك وبين وطنك.. في قلبك دائماً والداك وإخوتك، وهم سندك الحقيقي في كل زمان ومكان، الذي لم ينعم بأسرة تحتويه وتمنحه الحب والحنان فليبقَّ في وطنه علَّه يجد على أرضه ما لم تعطه أسرته.
مهما بلغ بنا العمر واعتركنا الحياة وصارعتنا بصعوباتها يظل في وجداننا البيت القديم الذي ضمنا بين جنباته أطفالاً صغاراً والحضن الدافئ الذي لطالما منحنا الدفء في غمرة برودة الحياة ومصاعبها، ومنحنا الحب الذي يسافر معنا في كل مكان، فلنغترب ولنبعد ما نشاء ما دام في قلوبنا كنز المحبة.