يكاد لا يخلو حديث في المجتمع من تناول ظاهرة المحسوبية في المجتمع، ومدى تأثيراتها الفعلية في تسيير شئون الناس أو في تعطيل مصالحهم، وقد يختلف الناس في شأنها، فبعضهم يجد فيها الحل لأخذ حقه المشروع، بينما يرى آخرون أنها أحد أسباب الفساد والشلل البيروقراطي في كثير من المؤسسات، ويختصر العامة عادة القضية في تساؤل استفزازي: (عندك ظهر؟)، لمن يبحث عن حقه الخاص أو من يحاول عسف حقوق الآخرين من خلال علاقاته الخاصة.
المحسوبية هي تلك العلاقات غير المكتوبة بين أحدهم وبين شخصية مؤثرة، ومن خلال هذا العلاقة يتصرف الشخص المحسوب كيفما يشاء عبر اتكاءة على ظهر الشخصية المؤثرة في المجتمع، و قدرته على الاتصال بها مباشرة، والذي قد لا يكون على اطلاع تام بسوء استغلال علاقته، وبضرب الشخص المحسوب عليه بقوانين العمل عرض الحائط، وعدم تكليف نفسه مشقة الانضباط داخل المؤسسة..
مع مرور الوقت يكون عامل هدم لبيئة العمل، وسبب لتحويلها إلى بيئه فاسدة وغير منتجة، وإلى سباق تنافسي في ميدان العلاقات بين الموظفين أو العاملين وبين الفئة المؤثرة في المجتمع، وذلك من أجل الوصول إلى شاطيء الأمان، والذي يعني عند البعض العمل داخل حماية خاصة جداً غير ملتزمة بأنظمة العمل، وبالتالي تدني مستوى الإنتاجيه، وكما قيل: من لا ظهر له، ليس له تقدير أو حقوق، وقد يُعامل أحياناً بصفة المذنب أوالمقصر في أداء عمله..
قد يصل الأمر أحياناً إلى أن يلوي الشخص المحسوب ذراع المؤسسه، وأن يفرض عليها رغبته التي قد تصل إلى درجة الإساءة إليها، وأن يستغل علاقته المؤثرة في فرض ما يريد، وقد تفشل المؤسسة في ضبط أفعاله المستهترة بقوانين وأخلاقيات العمل المهنية، وذلك خوفاًً من سوء فهم الشخصية المؤثرة، والذي يرى المؤسسة فقط من خلال ذلك الشخص الذي يقدم له خدمات خاصة ومميزة..
عندما يهيمن نفوذ المحسوبية تظهر تبريرات المستفيدين منها إلى حد جعلها أحد وجوه الخير في المجتمع، وهو ما يؤهل المحسوبية ويشرعها للقيام بدور المسؤول غير الرسمي، وهو خطأ جسيم لأن رفع المظلمة يجب أن يكون من مهام القضاء القانون والجهات الرسمية، وليس عبر العلاقات الاجتماعية المحسوبه، وذلك لأن الشخصية ذات المحسوبية عادة ما تحاول رد المعروف للمحسوب عليها، والتي تقدم نفسها إليها في صورة مغايرة لتلك التصرفات غير السوية التي يمارسها في بيئة العمل في المؤسسه، وقد يحدث تدخل الشخصية المؤثرة لتمكين صاحب العلاقة الخاصة ضررا بالغا في بيئة العمل المجهولة بالنسبة لها.
كذلك للمحسوبية وجوه مختلفة قد تأخذ أبعادا واتجاهات مغايرة تلك العلاقة الهرمية، فقد تكون أفقية وتشترك فيها مصالح فئوية أو إقليمية أو عنصرية أو أيديولوجية، ويكون العامل المشترك فيها التعاضد من أجل مصالح ضيقة ضد الآخرين، والعمل من أجل الحفاظ على مصلحتهم بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة، وقد يكون من الطبيعي أن يعمل الإنسان من أجل مصالحه، لكنها قد تصبح غير قانونية إذا أخلت بمصالح الآخرين وأضرت بمنافعهم..
إذا حكمت المحسوبية بيئة العمل والمصالح الخاصة في المجتمع، تُصاب الأعمال بالشلل ويتوقف المسار الإبداعي في الحياة العملية والعلمية، ويكون مآلها الجمود والنكوص، إذ يجب أن يخرج استغلال العلاقات الخاصة في بيئة العمل من فرض أو حماية بعض الأشخاص السيئين أو غير المنتجين داخل المؤسسات العامة والخاصة..
عل سبيل المثال لا يصح أن تفرض سلطة العلاقات الخاصة تعيين شخص كعالم وباحث في مركز للأبحاث، أو أن تفرض شخصية غير مؤهلة لأن تكون مسؤولاً في مؤسسة عامة، لأن ذلك من شأنه أن يحطم مسار العمل الجاد عند الآخرين، وسيجدون أن أقصر طريق لتحقيق النجاح لا يكون من خلال المسار الإبداعي، ولكن عبر الحصول على علاقة خاصة تنقذه من عناء التفكير الخلاق ومن مشقة العمل الجاد، وفي نفس الوقت توفر له الحماية للوصول إلى منزله خارج إطار المحاسبة والقانون، وفي ذلك فساد عظيم..
