في حكايةٍ غير ذات بال بنفسها، وبدلالات لسواها، وجد صاحبُكم من احتل صفحته على «الفيسبوك» المعني أساسًا بالتواصل الاجتماعي ؛ فسطا على اسمه وصورته، وبدأ بمخاطبة الناس بالإنابة عنه، واستجاب له ثلةٌ ظنوا التقليد أصلاً، ولأن «الدعيّ» -فيما يبدو- شاب طيب هدفه العبث من أجل العبث فقد كان كشفُه يسيرًا، لكنه أثار عملية استفهام كبيرة؛ فماذا لو انتحل باحتراف ودراية وصعبت تعرية حقيقته؛ فاختلط اسمان وموقفان ومنطقان، ومن يستطيع -إذا طال الأمد- معرفة «من يكون منْ»؟
ما يزال المقال «السبتي -لهذا الموسم-» معنيًا بقراءة التأريخ وإسقاطه على الواقع والوقائع، وفي مثل هذا الزمن لم يعد له راوٍ واحدٌ ولا روايةٌ وحيدة، وبإمكان من كان أن يبتسر ويختصر، ويُضيف ويَحيف، ويَعْدل ويُعدِل، ثم يمضي الزمن؛ فإذا المبدَل هو البديل والدخيل هو الأصيل والشمس هي الظل.
حين حكم (المعز لدين الله الفاطميٌ 932-975م) مصر سأله بعض العلماء المهتمين أن ينتسب؛ فأرجأهم يومًا ثم جمعهم في مجلسه وأمامه أكياس الدنانير وسيفه وقال لهم: هذان هما نسبي وحسبي، وصمتوا، لكن صمت التأريخ لم يطل، ولم يحل المال والسلطة عن جلاء الحقيقة.
وفي زمن مقارب ادعى «القرامطة» أنهم أولياءُ الله، ودانت لهم الأمصار وازداد الأنصار، وتبعتهم قبائل في الجزيرة العربية وخارجها ؛ رضًا وطمعا، ثم هلكوا فانفضَ سامرهم، وانتصرت القراءةُ الموضوعية، وهذان مثلان مجردان؛ فهل يأذن زمننا لقرامطة العصر وفاطمييه بالانكشاف، أم أن للزيف سطوته معززةً بالوسائط والتقنية؛ فتختلط الصور.
يستطيع أيٌ كان أن ينسبَ لمن شاء، ويدعيَ على من شاء، ويُركب صورًا وحكاياتٍ ورموزًا يصعب تحليلها وتعريفها، أما الاعتدادُ بالضمير والاتكاء على الأخلاق والاستناد للمنهجية والمرجعية في التحاكم والحكم فأحلامٌ أقرب للأوهام.
ربما يبدو هذا العرضُ متماهيًا مع معنى «الفتن» -كما وردت في الآثار الثابتة- حيث لا يميز الليل من النهار ؛ فيسوم الجمالَ قبيحٌ والفضيلةَ رديءٌ والحقيقةَ مدعٍ ومدلسٌ ومفلس؛ ما يضاعف العبء على المختصين «غير المؤدلجين « لتقديم قراءة شاملة منصفة تكون أساسًا ينطلق منه ويركن إليه الباحثون اليوم وغدًا.
يدين الإعلامُ لشعوبيٍ يقهر ناسَه، ثم نقبله ونستقبلُه مخلِصًا وظهيرا، ولو كان للصوت أن يرتفع فليسائلوه عن الأراضي العربية التي ابتلع بعضها واحتل بعضها ومنع مساجد الله لناسٍ من ناسه أن يذكر فيها اسمه، وحينذاك يمكن أن نصفق لخطابه عن «القدس» والفلسطينيين.
أنحن في غياب أم غيبوبة؟ أم هو زمن التيه يرفع أعلام القوة لدنانير «المعز» وسيفه، وإلى متى نصدق طائفيين في أكثر من مكان يُقتلون على الهُوية ثم يتنادون على الجهاد والإصلاح والتحرير؟
تاريخُنا هو حكايتنا غيرُ ذات البال؛ فكما تستطيع وسائط التقنية أن تنسب غير منسوب وتكتب أكثر من مكتوب وتتعنون بمجموعة عناوين فإن يومنا سيُسكن بأكثرَ من لغة ويدعي امتلاكَه مغتصبٌ ومستأجِرٌ وأجير، ولن تكون الحقيقةُ متاحةً كما نفترض؛ ما يجعلنا -في اتجاهٍ موازٍ- نتأنى في التدقيق ونشدد في التوثيق ونرفع الوصاية عن التأريخ الشفاهي والمخطوطات المختفية؛ فذاك أجدى من الارتهان للاختلاق والارتزاق.
الصورة وجهٌ والظل متعدد.